والمصلح لا يقل عليه شئ، وإما مفسد فلا يبقى له شئ. فقال أبو معاوية: جمع أبو عثمان طرف الكلام. وروى الأصمعي عن حكيم بن قيس. قال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحيي من رفقي فيهما والتأني عندهما، مخاطبتي جاهلا أو سفيها، وعند مسألتي حاجة لنفسي.
ودخلت عليه امرأة من العابدات وهو أمير الكوفة فأكرمها وأحسن إليها، فقالت: لا جعل الله لك إلى لئيم حاجة، ولا زالت المنة لك في أعناق الكرام، وإذا أزال عن كريم نعمة جعلك سببا لردها عليه. وقد كان له عشرة من الولد ذكورا وإناثا، وكانت إحدى زوجاته أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص - أخت مروان بن الحكم - ولما حضرت سعيدا الوفاة جمع بنيه وقال لهم: لا يفقدن أصحابي غير وجهي، وصلوهم بما كنت أصلهم به، وأجروا عليهم ما كنت أجري عليهم، واكفوهم مؤنة الطلب، فإن الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه، وارتعدت فرائصه مخافة أن يرد، فوالله لرجل يتململ على فراشه يراكم موضعا لحاجته أعظم منة عليكم مما تعطونه. ثم أوصاهم بوصايا كثيرة، منها أن يوفوا ما عليه من الدين والوعود، وأن لا يزوجوا إخوانهم إلا من الأكفاء، وأن يسودوا أكبرهم. فتكفل بذلك كله ابنه عمرو بن سعيد الأشدق، فلما مات دفنه بالبقيع ثم ركب عمرو إلى معاوية فعزاه فيه واسترجع معاوية وحزن عليه وقال: هل ترك من دين عليه؟ قال: نعم! قال: وكم هو؟ قال: ثلاثمائة ألف درهم، وفي رواية ثلاثة آلاف ألف درهم (1)، فقال معاوية: هي علي! فقال ابنه: يا أمير المؤمنين، إنه أوصاني أن لا أقضي دينه إلا من ثمن أراضيه، فاشترى منه معاوية أراضي بمبلغ الدين، وسأل منه عمرو أن يحملها إلى المدينة فحملها له، ثم شرع عمرو يقضي ما على أبيه من الدين حتى لم يبق أحد، فكان من جملة من طالبه شاب معه رقعة من أديم فيها عشرون ألفا، فقال له عمرو: كيف استحققت هذه على أبي؟
فقال الشاب: إنه كان يوما يمشي وحده فأحببت أن أكون معه حتى يصل إلى منزله، فقال: ابغني رقعة من أدم، فذهبت إلى الجزارين فأتيته بهذه فكتب لي فيها هذا المبلغ، واعتذر بأنه ليس عنده اليوم شئ. فدفع إليه عمرو ذلك المال وزاده شيئا كثيرا، ويروى أن معاوية قال لعمرو بن سعيد: من ترك مثلك لم يمت، ثم قال: رحم الله أبا عثمان: قد مات من هو أكبر مني ومن هو أصغر مني، وأنشد قول الشاعر:
إذا سار من دون امرئ وأمامه * وأوحش من إخوانه فهو سائر وكانت وفاة سعيد بن العاص في هذه السنة، وقيل في التي قبلها، وقيل في التي بعدها.
وقال بعضهم: كانت وفاته قبل عبد الله بن عامر بجمعة.
شداد بن أوس بن ثابت ابن المنذر بن حرام، أبو يعلى الأنصاري الخزرجي، صحابي جليل، وهو ابن أخي