الزبير حلف لا يعطي عبد الملك طاعة أبدا، ودعا بطست فغسل رأس ابن الزبير وكفنه وطيبه وبعث به أهله بالمدينة، ويقال بل دفنه عنده بخراسان والله أعلم.
وأطعم الكتاب للبريد الذي جاء به وقال: لولا أنك رسول لضربت عنقك، وقال بعضهم: قطع يديه ورجليه وضرب عنقه.
وممن توفي فيها من الأعيان الأحنف بن قيس أبو (1) معاوية بن حصين التميمي السعدي أبو بحر البصري ابن أخي صعصعة بن معاوية، والأحنف لقب له، وإنما اسمه الضحاك، وقيل صخر، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وجاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له، وكان سيدا شريفا مطاعا مؤمنا، عليم اللسان، وكان يضرب بحلمه المثل وله أخبار في حلمه سارت بها الركبان، قال عنه عمر بن الخطاب: هو مؤمن عليم اللسان. وقال الحسن البصري: ما رأيت شريف قوم أفضل منه، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: هو بصري تابعي ثقة، وكان سيد قومه، وكان أعور أحيف الرجلين ذميما قصيرا كوسجا له بيضة واحدة، احتسبه عمر عن قومه سنة يختبره، ثم قال: هذا والله السيد - أو قال السؤدد - وقيل إنه خطب عند عمر فأعجبه منطقه، قيل ذهبت عينه بالجدري، وقيل في فتح سمرقند، وقال يعقوب بن سفيان: كان الأحنف جوادا حليما، وكان رجلا صالحا. أدرك الجاهلية ثم أسلم، وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فاستغفر له، وقال: كان ثقة مأمونا قليل الحديث، وكان كثير الصلاة بالليل، وكان يسرج المصباح ويصلي ويبكي حتى الصباح، وكان يضع أصبعه في المصباح ويقول: حس يا أحنف، ما حملك على كذا؟ ما حملك على كذا؟ ويقول لنفسه: إذا لم تصبر على المصباح فكيف تصبر على النار الكبرى؟ وقيل له: كيف سودك قومك وأنت أرذلهم خلقة؟ قال:
لو عاب قومي الماء ما شربته، كان الأحنف من أمراء علي يوم صفين، وهو الذي صالح أهل بلخ على أربعمائة ألف دينار في كل سنة. وله وقائع مشهودة مشهورة، وقتل من أهل خراسان خلقا كثيرا في القتال بينهما، وانتصر عليهم. وقال الحاكم: وهو الذي افتتح مرو الروذ، وكان الحسن وابن سيرين في جيشه، وهو الذي افتتح سمرقند وغيرها من البلاد. وقيل إنه مات سنة سبع وستين، وقيل غير ذلك، عن سبعين سنة. وقيل عن أكثر من ذلك.
ومن كلامه وقد سئل عن الحكم ما هو؟ فقال: الذل مع الصبر، وكان إذا تعجب الناس من حلمه يقول: والله إني لأجد ما يجدون، ولكني صبور. وقال: وجدت الحلم أنصر لي من