فأما جرير بن عبد الله البجلي فأسلم بعد نزول المائدة، وكان إسلامه في رمضان سنة عشر، وكان قدومه ورسول الله يخطب، وكان قد قال في خطبته: " إنه يقدم عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، وإن على وجهه مسحة ملك " (1)، فلما دخل نظر الناس إليه فكان كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروه بذلك فحمد الله تعالى. ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جالسه بسط له رداءه وقال: " إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه " (2) وبعثه رسول الله إلى ذي الخلصة - وكان بيتا تعظمه دوس في الجاهلية - فذكر أنه لا يثبت على الخيل، فضرب في صدره وقال: " اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا " (3) فذهب فهدمه. وفي الصحيحين أنه قال: ما حجبني رسول الله منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم. وكان عمر بن الخطاب يقول: جرير يوسف هذه الأمة. وقال عبد الملك بن عمير: رأيت جريرا كأن وجهه شقة قمر. وقال الشعبي: كان جرير هو وجماعة مع عمر في بيت. فاشتم عمر من بعضهم ريحا، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: أو نقوم كلنا فنتوضأ يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الاسلام. وقد كان عاملا لعثمان على همدان، يقال إنه أصيبت عينه هناك، فلما قتل عثمان اعتزل عليا ومعاوية، ولم يزل مقيما بالجزيرة حتى توفي بالسراة، سنة إحدى وخمسين، قاله الواقدي، وقيل سنة أربع، وقيل سنة ست وخمسين.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة ولي زياد على خراسان بعد موت الحكم بن عمرو الربيع بن زياد الحارثي ففتح بلخ صلحا، وكانوا قد غلقوها بعدما صالحهم الأحنف، وفتح قوهستان عنوة، وكان عندها أتراك فقتلهم ولم يبق منهم إلا ترك طرخان، فقتله قتيبة بن مسلم بعد ذلك كما سيأتي. وفي هذه السنة غزا الربيع ما وراء النهر فغنم وسلم، وكان قد قطع ما وراء النهر قبله الحكم بن عمرو، وكان أول من شرب من النهر غلام للحكم، فسقى سيده وتوضأ الحكم وصلى وراء النهر ركعتين ثم رجع، فلما كان الربيع هذا غزا ما وراء النهر فغنم وسلم. وفي هذه السنة حج بالناس يزيد بن معاوية فيما قاله أبو معشر والواقدي.
وأما جعفر بن أبي سفيان بن عبد المطلب فأسلم مع أبيه حين تلقياه بين مكة والمدينة عام الفتح، فلما ردهما قال أبو سفيان: والله لئن لم يأذن لي عليه لآخذن بيد هذا فأذهبن في الأرض فلا يدري أين أذهب، فلما بلغ ذلك رسول الله