وقد روى محمد بن سعد بأسانيده أن معاوية تزوج امرأة جميلة جدا فبعث إحدى امرأتيه - قيسون (1) أو فاختة - لتنظر إليها، فلما رأتها أعجبتها جدا، ثم رجعت إليه فقال: كيف رأيتيها؟ قالت:
بديعة الجمال، غير أني رأيت تحت سرتها خالا أسود، وإني أحسب أن زوجها يقتل ويلقى رأسه في حجرها. فطلقها معاوية وتزوجها النعمان بن بشير، فلما قتل أتي برأسه فألقي في حجرها سنة خمس وستين، وقال سليمان بن زير قتل بسلمية سنة ست وخمسين. وقال غيره: سنة خمس وستين، وقيل سنة ستين والصحيح ما ذكرناه. وفيها توفي المسور بن مخرمة بن نوفل، صحابي صغير، أصابه حجر المنجنيق مع ابن الزبير بمكة وهو قائم يصلي في الحجر. وهو من أعيان من قتل في حصار مكة وهو المسور بن مخرمة بن نوفل أبو عبد الرحمن الزهري، أمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف، له صحبة ورواية، ووفد على معاوية، وكان ممن يلزم عمر بن الخطاب، وقيل إنه كان ممن يصوم الدهر، وإذا قدم مكة طاف لكل يوم غاب عنها سبعا، وصلى ركعتين، وقيل إنه وجد يوم القادسية إبريق ذهب مرصع بالياقوت فلم يدر ما هو، فلقيه رجل من الفرس فقال له: بعنيه بعشرة آلاف، فعلم أنه شئ له قيمة، فبعث به إلى سعد بن أبي وقاص فنفله إياه. فباعه بمائة ألف. ولما توفي معاوية قدم مكة فأصابه حجر المنجنيق مع ابن الزبير لما رموا به الكعبة، فمات من بعد خمسة أيام، وغسله عبد الله بن الزبير، وحمله في جملة من حمل إلى الحجون، وكانوا يطأون به القتلى، ويمشون به بين أهل الشام، واحتكر المسور بن مخرمة طعاما في زمن عمر بن الخطاب، فرأى سحابا فكرهه، فلما أصبح عدا إلى السوق فقال: من جاءني أعطيته، فقال عمر: أجننت يا أبا مخرمة؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت سحابا فكرهت ما فيه الناس فكرهت أن أربح فيه شيئا، فقال له عمر: جزاك الله خيرا. ولد المسور بمكة بعد الهجرة بسنتين.
المنذر بن الزبير بن العوام ولد في خلافة عمر بن الخطاب، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وقد غزا المنذر القسطنطينية مع يزيد بن معاوية، ووفد على معاوية فأجازه بمائة ألف، وأقطعه أرضا، فمات معاوية قبل أن يقبض المال. وكان المنذر بن الزبير وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام يقاتلون أهل الشام بالنهار. ويطعمانهم بالليل. قتل المنذر بمكة في حصارها مع أخيه، ولما مات معاوية أوصى إلى المنذر أن ينزل في قبره.
مصعب بن عبد الرحمن بن عوف كان شابا دينا فاضلا. قتل مصعب أيضا في حصار مكة مع ابن الزبير.