ماذا تقول لافراخ بذي مرخ (1) * زغب (2) الحواصل لا ماء ولا شجر غادرت كاسبهم في قعر مظلمة * فارحم هداك مليك الناس يا عمر (3) أنت الامام الذي من بعد صاحبه * ألقى إليك مقاليد النهى البشر لم يؤثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم كانت بك الأثر (4) فامنن على صبية بالرمل مسكنهم * بين الأباطح يغشاهم بها القدر (5) نفسي فداؤك كم بيني وبينهم * من عرض وادية يعمى بها الخبر قال: فلما قال الحطيئة: ماذا تقول الأفراخ بذي مرخ، بكى عمر، فقال عمرو بن العاص: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة. ثم ذكروا أنه أراد قطع لسان الحطيئة لئلا يهجو به الناس فأجلسه على كرسي وجئ بالموسى، فقال الناس:
لا يعود يا أمير المؤمنين وأشاروا إليه قل: لا أعود، فقال له عمر النجا، فلما ولى قال له عمر:
ارجع يا حطيئة، فرجع فقال له: كأني بك عند شاب من قريش قد كسر لك نمرقة، وبسط لك أخرى، وقال: يا حطيئة غننا، فاندفعت تغنيه بأعراض الناس، قال أسلم: فرأيت الحطيئة بعد ذلك عند عبيد الله بن عمرو وقد كسر له نمرقة وبسط له أخرى، وقال: يا حطيئة غننا فاندفع حطيئة يغني، فقلت له: يا حطيئة أتذكر يوم عمر حين قال لك ما قال؟ ففزع وقال: رحم الله ذلك المرء، لو كان حيا ما فعلنا هذا، فقلت لعبيد الله: إني سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل، وقال الزبير: حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال قال عمر للحطيئة: دع قول الشعر. قال لا أستطيع، قال: لم؟ قال: هو مأكلة عيالي، وعلة لساني، قال: فدع المدحة المجحفة، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال تقول بنو فلان أفضل من بني فلان، امدح ولا تفضل، فقال: أنت أشعر مني يا أمير المؤمنين. ومن مديحه الجيد المشهور قوله:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم * من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا أولئك قومي إن بنوا أحسنوا البنا * وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها * وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا