وكان كثير الهجاء حتى يقال إنه هجا أباه وأمه، وخاله وعمه، ونفسه وعرسه، فمما قال في أمه قوله:
تنحي فاقعدي عني بعيدا (1) * أراح الله منك العالمينا أغربالا إذا استودعت سرا * وكانونا على المتحدثينا (2) جزاك الله شرا من عجوز * ولقاك العقوق من البنينا وقال في أبيه وعمه وخاله:
لحاك الله ثم لحاك حقا * أبا ولحاك من عم وخال فنعم الشيخ أنت لدى المخازي * وبئس الشيخ أنت لدي المعالي ومما قال في نفسه يذمها (3):
أبت شفتاي اليوم أن تتكلما * بشر فما أدري لمن أنا قائله؟
أرى لي وجها شوه (4) الله خلقه * فقبح من وجه وقبح حامله وقد شكاه الناس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأحضره وحبسه، وكان سبب ذلك أن الزبرقان بن بدر شكاه لعمر أنه قال له يهجوه:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها * واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فقال له عمر: ما أراه هجاك، أما ترضى أن تكون طاعما كاسيا؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه لا يكون هجاء أشد من هذا، فبعث عمر إلى حسان بن ثابت فسأله عن ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه، فعند ذلك حبسه عمر وقال: يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين، ثم شفع فيه عمرو بن العاص فأخرجه وأخذ عليه العهد أن لا يهجو الناس واستتابه، ويقال إنه أراد أن يقطع لسانه فشفعوا فيه حتى أطلقه، وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحرامي عن عبد الله بن مصعب حدثني عن ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: أمر عمر بإخراج الحطيئة من الحبس وقد كلمه فيه عمرو بن العاص وغيره، فأخرج وأنا حاضر فأنشأ يقول: