فأحييك بهذه التحية، فقال له معاوية: ولم؟ وهل أنت إلا حبر من أحبار اليهود؟ فقال له قيس:
وأنت يا معاوية كنت صنما من أصنام الجاهلية، دخلت في الاسلام كارها، وخرجت منه طائعا، فقال معاوية: اللهم غفرا، مد يدك، فقال له قيس بن سعد: إن شئت. زدت وزدت. وقال موسى بن عقبة: قالت عجوز لقيس: أشكو إليك قلة فأر بيتي، فقال قيس: ما أحسن هذه الكناية!! املأوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا. وقال غيره: كانت له صحفة يدار بها حيث دار، وكان ينادي له مناد: هلموا إلى اللحم والثريد وكان أبوه وجده من قبله يفعلان كفعله، وقال عروة بن الزبير: باع قيس بن سعد من معاوية أرضا بتسعين ألفا، فقدم المدينة فنادى مناديه: من أراد القرض فليأت، فأقرض منها خمسين ألفا وأطلق الباقي، ثم مرض بعد ذلك فقل عواده، فقال لزوجته - قريبة بنت أبي عتيق أخت أبي بكر الصديق - إني أرى قلة من عادني في مرضي هذا، وإني لارى ذلك من أجل مالي على الناس من القرض، فبعث إلى كل رجل ممن كان له عليه دين بصكه المكتوب عليه، فوهبهم ماله عليهم، وقيل: إنه أمر مناديه فنادى: من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو منه في حل، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه من كثرة العواد، وكان؟ قول:
اللهم ارزقني مالا وفعالا، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال. وقال سفيان الثوري: اقترض رجل من قيس بن سعد ثلاثين ألفا فلما جاء ليوفيه إياها قال له قيس: إنا قوم ما أعطينا أحدا شيئا فنرجع فيه. وقال الهيثم بن عدي: اختلف ثلاثة عند الكعبة في أكرم أهل زمانهم، فقال أحدهم:
عبد الله بن جعفر، وقال الآخر: قيس بن سعد، وقال الآخر: عرابة الأوسي، فتماروا في ذلك حتى ارتفع ضجيجهم عند الكعبة، فقال لهم رجل: فليذهب كل رجل منكم إلى صاحبه الذي يزعم أنه أكرم من غيره، فلينظر ما يعطيه وليحكم على العيان. فذهب صاحب عبد الله بن جعفر إليه فوجده قد وضع رجله في الغرز ليذهب إلى ضيعة له، فقال له: يا بن عم رسول الله ابن سبيل ومنقطع به، قال: فأخرج رجله من الغرز وقال: ضع رجلك واستو عليها فهي لك بما عليها، وخذ ما في الحقيبة ولا تخدعن عن السيف فإنه من سيوف علي، فرجع إلى أصحابه بناقة عظيمة وإذا في الحقيبة أربعة آلاف دينار، ومطارف من خز وغير ذلك، وأجل ذلك سيف علي بن أبي طالب. ومضى صاحب قيس بن سعد إليه فوجده نائما، فقالت له الجارية: ما حاجتك إليه؟
قال: ابن سبيل ومنقطع به، قالت: فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار ما في دار قيس مال غيره اليوم، واذهب إلى مولانا في معاطن الإبل فخذ لك ناقة وعبدا، واذهب راشدا. فلما استيقظ قيس من نومه أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها شكرا على صنيعها ذلك، وقال: هلا أيقظتيني حتى أعطيه ما يكفيه أبدا، فلعل الذي أعطيتيه لا يقع منه موقع حاجته.
وذهب صاحب عرابة الأوسي إليه فوجده وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو يتوكأ على عبدين له - وكان قد كف بصره - فقال له: يا عرابة، فقال: قل، فقال: ابن سبيل ومنقطع به، قال:
فخلى عن العبدين ثم صفق بيديه، باليمنى على اليسرى، ثم قال أوه أوه، والله ما أصبحت ولا