أمسيت وقد تركت الحقوق من مال عرابة شيئا، ولكن خذ هذين العبدين، قال: ما كنت لافعل، فقال: إن لم تأخذهما فهما حران، فإن شئت فأعتق، وإن شئت فخذ. وأقبل يلتمس الحائط بيده، قال: فأخذهما وجاء بهما إلى صاحبيه، قال فحكم الناس على أن ابن جعفر قد جاد بمال عظيم، وأن ذلك ليس بمستنكر له، إلا أن السيف أجلها. وأن قيسا أحد الأجواد حكم مملوكته في ماله بغير علمه واستحسن فعلها وعتقها شكرا لها على ما فعلت، وأجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسي، لأنه جاد بجميع ما يملكه، وذلك جهد من مقل. وقال سفيان الثوري عن عمرو عن أبي صالح قال: قسم سعد بن عبادة ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها، فولد له ولد بعد وفاته، فجاء أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد فقالا: إن أباك قسم ماله ولم يعلم بحال هذا الولد إذ كان حملا، فأقسموا له معكم، فقال قيس: إني لا أغير ما فعله سعد ولكن نصيبي له. ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين فذكره. ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء فذكره. وقال ابن أبي خيثمة: ثنا أبو نعيم ثنا مسعر، عن معبد بن خالد. قال: كان قيس بن سعد لا يزال هكذا رافعا أصبعه المسبحة - يعني يدعو - وقال هشام بن عمار: ثنا الجراح بن مليح ثنا أبو رافع عن قيس بن سعد. قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المكر والخديعة في النار ": لكنت من أمكر هذه الأمة. وقال الزهري: دهاة العرب حين ثارت الفتنة خمسة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقيس بن سعد، وعبد الله بن بديل وكانا مع علي، وكان المغيرة معتزلا بالطائف حتى حكم الخصمان فصارا إلى معاوية. وقد تقدم أن محمد بن أبي حذيفة كان قد تغلب على مصر وأخرج منها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، نائب عثمان بعد عمرو بن العاص، فأقره عليها علي مدة يسيرة ثم عزله بقيس بن سعد، فلما دخلها سار فيها سيرة حسنة وضبطها، وذلك سنة ست وثلاثين، فثقل أمره على معاوية وعمرو بن العاص، فكاتباه ليكون معهما على علي فامتنع وأظهر للناس مناصحته لهما، وفي الباطن هو مع علي، فبلغ ذلك عليا فعزله وبعث إلى مصر الأشتر النخعي فمات الأشتر في الرملة قبل أن يصل إليها، فبعث علي محمد بن أبي بكر فخف أمره على معاوية وعمرو، فلم يزالا حتى أخذا منه الديار المصرية، وقتل محمد بن أبي بكر هذا وأحرق في جيفة حمار. ثم سار قيس إلى المدينة، ثم سار إلى علي بن أبي طالب إلى العراق، فكان معه في حروبه حتى قتل علي، ثم كان مع الحسن بن علي حين سار إلى معاوية ليقاتله، فكان قيس على مقدمة الجيش، فلما بايع الحسن معاوية ساء قيسا ذلك وما أحبه، وامتنع من طاعته معاوية، ثم ارتحل إلى المدينة، ثم قدم على معاوية في وفد من الأنصار فبايع معاوية بعد معاتبة شديدة وقعت بينهما، وكلام فيه غلظة، ثم أكرمه معاوية وقدمه وحظي عنده، فبينما هو مع الوفد عند معاوية إذ قدم كتاب ملك الروم على معاوية وفيه: أن ابعث إلي بسراويل أطول رجل في العرب، فقال معاوية: ما أرنا إلا قد احتجنا إلا سراويلك؟ - وكان قيس مديد القامة جدا لا يصل أطول الرجال إلى صدره - فقام قيس فتنحى
(١٠٩)