ثم قال أبو هريرة: ليسألني أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه فإنه يجد عندي منه علما جما ومقالا، قال: فوالله ما زال مروان يقصر عن أبي هريرة ويتقيه بعد ذلك ويخافه ويخاف جوابه. وفي رواية أن أبا هريرة قال لمروان: إني أسلمت وهاجرت اختيارا وطوعا، وأحببت رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا، وأنتم أهل الدار وموضع الدعوة، أخرجتم الداعي من أرضه، وآذيتموه وأصحابه، وتأخر إسلامكم عن إسلامي إلى الوقت المكروه إليكم. فندم مروان على كلامه له واتقاه. وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن عمر أو عثمان بن عروة عن أبيه - يعني عروة بن الزبير بن العوام - قال: قال لي أبي الزبير: ادنني من هذا اليماني - يعني أبا هريرة - فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، وجعل الزبير يقول: صدق، كذب صدق، كذب. قال: قلت يا أبة ما قولك صدق كذب؟ قال: يا بني أما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أشك، ولكن منها ما يضعه على مواضعه، ومنها ما وضعه على غير مواضعه. وقال علي بن المديني عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي اليسر بن أبي عامر.
قال: كنت عند طلحة بن عبيد الله إذ دخل رجل فقال: يا أبا محمد والله ما ندري هذا اليماني أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، أم يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يسمع، أو ما لم يقل؟ فقال طلحة. والله ما نشك أنه قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوما أغنياء، لنا بيوتات وأهلون، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع، وكان هو مسكينا لا مال له ولا أهل، وإنما كانت يده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيث ما دار، فما شك أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع (1). وقد رواه الترمذي بنحوه. وقال شعبة عن أشعث بن سليم عن أبيه قال: سمعت أبا أيوب يحدث عن أبي هريرة فقيل له: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدث عن أبي هريرة؟ فقال: إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع، وإني إن أحدث عنه أحب إلي من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني ما لم أسمعه منه - وقال مسلم بن الحجاج: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثنا مروان الدمشقي عن الليث بن سعد، حدثني بكير بن الأشج. قال: قال لنا بشر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم فأسمع بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية يجعل ما قاله كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث، وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس - أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يميز هذا من هذا - ذكره ابن عساكر. وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه