وكان عباد بن زياد عظيم اللحية كبيرها جدا، فبلغه ذلك فغضب وتطلبه فهرب منه وقال فيه قصائده يهجوه بها كثيرة فمن ذلك قوله:
إذا أودى معاوية بن حرب * فبشر شعب قعبك بانصداع فأشهد أن أمك لم تباشر * أبا سفيان واضعة القناع ولكن كان أمرا فيه لبس * على خوف (1) شديد وارتياع وقال أيضا:
ألا أبلغ معاوية بن حرب * مغلغلة من الرجل اليماني أتغضب أن يقال أبوك عف * وترضى أن يقال أبوك زاني فأشهد أن رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الاتان فكتب عباد بن زياد إلى أخيه عبيد الله وهو وافد على معاوية بهذه الأبيات، فقرأها عبيد الله على معاوية واستأذنه في قتله، فقال: لا تقتله، ولكن أدبه ولا تبلغ به القتل، فلما رجع عبيد الله إلى البصرة استحضره وكان قد استجار بوالد زوجة عبيد الله بن زياد، وهو المنذر بن الجارود، وكانت ابنته بحرية عند عبيد الله، فأجاره وآواه إلى داره، وجاء الجارود مسلما على عبيد الله، وبعث عبيد الله الشرط إلى دار المنذر فجاؤوا بابن مفرغ فأوقف بين يديه، فقال المنذر: إني قد أجرته، فقال: يمدحك ويمدح أباك فترضى به، ويهجوني ويهجو أبي ثم تجيره علي، ثم أمر عبيد الله بابن مفرغ فسقي دواء مسهلا وحملوه على حمار عليه إكاف وجعلوا يطوفون به في الأسواق وهو يسلح والناس ينظرون إليه، ثم أمر به فنفي إلى سجستان إلى عند أخيه عباد، فقال ابن مفرغ لعبيد الله بن زياد:
يغسل الماء ما صنعت وقولي * راسخ منك في العظام البوالي فلما أمر عبيد الله بنفي ابن مفرغ إلى سجستان، كلم اليمانيون معاوية في أمر ابن مفرغ، وأنه إنما بعثه إلى أخيه ليقتله، فبعث معاوية إلى ابن مفرغ وأحضره، فلما وقفت بين يديه بكى وشكى إلى معاوية ما فعل به ابن زياد، فقال له معاوية: إنك هجوته، ألست القائل كذا؟
ألست القائل كذا؟ فأنكر أن يكون قال من ذلك شيئا، وذكر أن القائل ذلك هو عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان، وأحب أن يسندها إلي، فغضب معاوية على عبد الرحمن بن الحكم ومنعه العطاء حتى يرضى عنه عبيد الله بن زياد، وأنشد ابن مفرغ ما قاله في الطريق في معاوية يخاطب راحلته: