[آل عمران: 39] فلما بشر بالولد وتحقق البشارة شرع يستعلم على وجه التعجب وجود الولد والحالة هذه له: (قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) [مريم: 8] أي كيف يوجد ولد من شيخ كبير قيل كان عمره إذ ذاك سبعا وسبعين سنة والأشبه والله أعلم أنه كان أسن (1) من ذلك (وكانت امرأتي عاقرا) يعني وقد كانت امرأتي في حال شبيبتها عاقرا لا تلد والله أعلم. كما قال الخليل: (أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون) [الحجر: 54] وقالت سارة: (يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) [هود: 72 - 73] وهكذا أجيب زكريا عليه السلام قال له الملك الذي يوحي إليه بأمر ربه (كذلك قال ربك هو علي هين) أي هذا سهل يسير عليه (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) أي قدرته أوجدتك بعد أن لم تكن شيئا مذكورا أفلا يوجد منك ولدا وإن كنت شيخا. وقال تعالى: (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) [الأنبياء: 90] ومعنى اصلاح زوجته: أنها كانت لا تحيض فحاضت. وقيل كان في لسانها شئ أي بذاءة (2) (قال رب اجعل لي آية) أي علامة على وقت تعلق مني المرأة بهذا الولد المبشر به (قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) يقول علامة ذلك أن يعتريك سكت لا تنطق معه ثلاثة أيام إلا رمزا وأنت في ذلك سوي الخلق، صحيح المزاج، معتدل البنية. وأمر بكثرة الذكر في هذه الحال بالقلب واستحضار ذلك بفؤاده بالعشي والابكار فلما بشر بهذه البشارة خرج مسرورا بها على قومه من محرابه (فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وعشيا).
والوحي ههنا هو الامر الخفي إما بكتابه كما قاله مجاهد والسدي أو إشارة كما قاله مجاهد أيضا ووهب وقتادة. قال مجاهد وعكرمة ووهب والسدي وقتادة اعتقل لسانه من غير مرض. وقال ابن زيد كان يقرأ ويسبح ولكن لا يستطيع كلام أحد. وقوله: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا)، يخبر تعالى عن وجود الولد وفق البشارة الإلهية لأبيه زكريا عليه السلام وأن الله علمه الكتاب والحكمة وهو صغير في حال صباه (3). قال عبد الله بن المبارك قال معمر قال الصبيان ليحيى بن زكريا اذهب بنا نلعب فقال ما للعب خلقنا قال وذلك قوله: (وآتيناه الحكم صبيا) وأما قوله: (وحنانا من لدنا) فروى ابن جرير عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال لا أدري ما الحنان. وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك (وحنانا من لدنا)