المال كما زعم ذلك من زعمه من الشيعة ووافقهم ابن جرير ههنا وحكاه عن أبي صالح من السلف لوجوه:
أحدها: ما قدمنا عند قوله تعالى: (وورث سليمان داود) [النمل: 16] أي في النبوة والملك كما ذكرنا في الحديث المتفق عليه بين العلماء المروى في الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها من طرق عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا فهو صدقة " (1) فهذا نص على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يورث ولهذا منع الصديق أن يصرف ما كان يختص به في حياته إلى أحد من وراثه الذين لولا هذا النص لصرف إليهم وهم ابنته فاطمة وأزواجه التسع وعمه العباس رضي الله عنهم واحتج عليهم الصديق في منعه إياهم بهذا الحديث وقد وافقه على روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وأبو هريرة وآخرون رضي الله عنهم.
الثاني: أن الترمذي رواه بلفظ يعم سائر الأنبياء: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " (2) وصححه.
الثالث: أن الدنيا كانت أحقر عند الأنبياء من أن يكنزوا لها أو يلتفتوا إليها أو يهمهم أمرها حتى يسألوا الأولاد ليحوزوها بعدهم فإن من لا يصل إلى قريب من منازلهم في الزهادة لا يهتم بهذا المقدار أن يسأل ولدا يكون وارثا له فيها.
الرابع: أن زكريا عليه السلام كان نجارا يعمل بيده ويأكل من كسبها كما كان داود عليه السلام يأكل من كسب يده والغالب ولا سيما من مثل حال الأنبياء أنه لا يجهد نفسه في العمل إجهادا يستفضل منه ما لا يكون له ذخيرة له يخلفه من بعده وهذا أمر بين واضح لكل من تأمله وتدبره وتفهم إن شاء الله.
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد يعني ابن هارون، أنبأنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان زكريا نجارا " (3). وهكذا رواه مسلم وابن ماجة من غير وجه عن حماد بن سلمة به. وقوله: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) [مريم: 7]. وهذا مفسر بقوله: (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين)