وقد اختلفت الرواية عن وهب بن منبه هل مات زكريا عليه السلام موتا أو قتل قتلا على روايتين: فروى عبد المنعم بن إدريس بن سنان، عن أبيه، عن وهب بن منبه أنه قال هرب من قومه فدخل شجرة فجاؤوا فوضعوا المنشار عليهما فلما وصل المنشار إلى أضلاعه أن فأوحى الله إليه: لئن لم يسكن أنينك لأقلبن الأرض ومن عليها فسكن أنينه حتى قطع باثنتين (1). وقد روي هذا في حديث مرفوع سنورده بعد إن شاء الله. وروى إسحاق بن بشر، عن إدريس بن سنان، عن وهب أنه قال الذي انصدعت له الشجرة هو شعيا فأما زكريا فمات موتا فالله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا أبو خلف موسى بن خلف وكان يعد من البدلاء حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده ممطور، عن الحارث الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن وكان أن يبطئ، فقال له عيسى عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن. فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن؟ فقال: يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي قال: فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرف، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن. وأولهن أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا فإن مثل ذلك مثل من اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك وأن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأمركم بالصلاة فإن الله ينصب وجهه قبل عبده ما لم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفتوا. وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتي حصنا حصينا فتحصن فيه وأن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل.
قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " وأنا آمركم بخمس: الله أمرني بهن بالجماعة والسمع