أي رحمة من عندنا رحمنا بها زكريا فوهبنا له هذا الولد. وعن عكرمة (وحنانا) أي محبة عليه ويحتمل أن يكون ذلك صفة لتحنن يحيى على الناس ولا سيما على أبويه وهو محبتهما والشفقة عليهما وبره بهما. وأما الزكاة فهو طهارة الخلق وسلامته من النقائص والرذائل. والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره وترك زواجره، ثم ذكر بره بوالديه وطاعته لهما أمرا ونهيا وترك عقوقهما قولا وفعلا فقال:
(وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا) ثم قال: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون على الانسان فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم آخر فيفقد الأول بعد ما كان ألفه وعرفه ويصير إلى الآخر ولا يدري ما بين يديه ولهذا يستهل صارخا إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها وضمها وينتقل إلى هذه الدار ليكابد همومها وغمها وكذلك إذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار وصار بعد الدور والقصور إلى عرصة الأموات سكان القبور وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور فمن مسرور ومحبور ومن محزون ومثبور وما بين جبير وكسير وفريق في الجنة وفريق في السعير. ولقد أحسن بعض الشعراء.
حيث يقول:
ولدتك أمك باكيا مستصرخا * والناس حولك يضحكون سرورا فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا * في يوم موتك ضاحكا مسرورا ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما تكون على ابن آدم سلم الله على يحيى في كل موطن منها فقال: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن الحسن قال: إن يحيى وعيسى التقيا فقال له عيسى استغفر لي أنت خير مني، فقال له الآخر: استغفر لي أنت خير مني فقال له عيسى: أنت خير مني سلمت على نفسي وسلم الله عليك فعرف والله فضلهما، وأما قوله في الآية الأخرى: (وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) [آل عمران: 39] فقيل المراد بالحصور الذي لا يأتي النساء وقيل غير ذلك وهو أشبه لقوله: (هب لي من لدنك ذرية طيبة) [آل عمران: 38] وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أنبأنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا، وما ينبغي لاحد يقول أنا خير من يونس بن متى " (1). علي بن زيد بن جدعان تكلم فيه غير واحد من الأئمة وهو منكر الحديث، وقد رواه ابن خزيمة والدارقطني من طريق أبي عاصم العباداني عن علي بن زيد بن جدعان به مطولا ثم قال ابن خزيمة وليس على شرطنا. وقال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه يوما وهم يتذاكرون فضل الأنبياء فقال قال: موسى كليم الله. وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته. وقال قائل: إبراهيم خليل الله [وهم يذكرون