رسول الله صلى الله عليه وسلم بركت عليه فأثر ذلك فيها فيما يذكر. ثم نقل وبنى عليه مسجد مشهور اليوم. وهي المدينة التي أضاءت أعناق الإبل عندها من نور النار التي خرجت من أرض الحجاز سنة أربع وخمسين وستمائة وفق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " تخرج نار من أرض الحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى " وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.
وقال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم. فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) [الأعراف: 157] الآية. قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري، عن أبي صخر العقيلي، حدثني رجل من الاعراب قال: جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرأها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجملهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ " فقال برأسه هكذا - أي لا - فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وأشهد أن لا إله إلا الله، وإنك رسول الله. فقال: " أقيموا اليهودي عن أخيكم " ثم ولى كفنه والصلاة عليه. هذا إسناد جيد وله شواهد في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه (1). وقال أبو القاسم البغوي حدثنا عبد الواحد بن غياث - أبو بحر - حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عصام بن كليب عن أبيه عن الصلتان بن عاصم وذكر أن خاله قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ شخص بصره إلى رجل فإذا يهودي عليه قميص وسراويل ونعلان. قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه وهو يقول: يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتشهد أني رسول الله؟ " قال لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتقرأ التوراة؟ " قال نعم قال: " أتقرأ الإنجيل؟ " قال نعم. قال: " والقرآن؟ " قال لا. ولو تشاء قرأته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فبم تقرأ التوراة والإنجيل، أتجدني نبيا؟ " قال إنا نجد نعتك ومخرجك. فلما خرجت رجونا أن تكون فينا. فلما رأيناك عرفناك أنك لست به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولم يا يهودي؟ " قال: إنا نجده مكتوبا، يدخل من أمته الجنة سبعون ألفا بغير حساب، ولا نرى معك إلا نفرا يسيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أمتي لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا ". هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه. وقال محمد بن إسحاق عن سالم مولى عبد الله بن مطيع عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقال: " أخرجوا أعلمكم " فقالوا عبد الله بن صوريا، فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناشده بدينه، وما أنعم الله به عليهم، وأطعمهم من المن