الجبائي واسم كهفهم حيزم، وأما الرقيم فعن ابن عباس أنه قال: لا أدري ما المراد به. وقيل هو الكتاب المرقوم فيه أسماؤهم وما جرى لهم كتب من بعدهم اختاره ابن جرير وغيره. وقيل هو اسم الجبل الذي فيه كهفهم. قال ابن عباس وشعيب الجبائي واسمه بناجلوس. وقيل هو اسم واد عند كهفهم وقيل اسم قرية هنالك والله أعلم.
قال شعيب الجبائي: واسم كلبهم حمران (1) واعتناء اليهود بأمرهم ومعرفة خبرهم، يدل على أن زمانهم متقدم على ما ذكره بعض المفسرين أنهم كانوا بعد المسيح، وأنهم كانوا نصارى.
والظاهر من السياق أن قومهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام. قال كثير من المفسرين والمؤرخين وغيرهم: كانوا في زمن ملك يقال له دقيانوس وكانوا من أبناء الأكابر. وقيل من أبناء الملوك واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم فرأوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان فنظروا بعين البصيرة وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة، وألهمهم رشدهم فعلموا أن قومهم ليسوا على شئ، فخرجوا عن دينهم وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له. ويقال إن كل واحد منهم لما أوقع الله في نفسه ما هداه إليه من التوحيد انحاز عن الناس واتفق اجتماع هؤلاء الفتية في مكان واحد كما صح في البخاري: " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " فكل منهم سأل الآخر عن أمره، وعن شأنه، فأخبره ما هو عليه واتفقوا على الانحياز عن قومهم والتبري منهم والخروج من بين أظهرهم والفرار بدينهم منهم وهو المشروع حال الفتن وظهور الشرور. قال الله تعالى: (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين) [الكهف: 13 - 15] أي بدليل ظاهر على ما ذهبوا إليه وصاروا من الامر عليه (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله) [الكهف: 15 - 16] أي وإذ فارقتموهم في دينهم، وتبرأتم مما يعبدون من دون الله، وذلك لأنهم كانوا يشركون مع الله كما قال الخليل: (إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) [الزخرف: 27] وهكذا هؤلاء الفتية قال بعضهم إذ قد فارقتم قومكم في دينهم، فاعتزلوهم بأبدانكم لتسلموا منهم أن يوصلوا إليكم شرا (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهئ لكم من أمركم مرفقا) أي يسبل عليكم ستره وتكونوا تحت حفظه وكنفه ويجعل عاقبة أمركم إلى خير كما جاء في الحديث:
" اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة " (2) ثم ذكر تعالى صفة الغار الذي آووا إليه وأن بابه موجه إلى نحو الشمال وأعماقه إلى جهة القبلة وذلك أنفع