واختلفوا في أمرهم فقائلون يقولون (ابنوا عليهم بنيانا) أي سدوا عليهم باب الكهف لئلا يخرجوا أو لئلا يصل إليهم ما يؤذيهم وآخرون وهم الغالبون على أمرهم قالوا: (لنتخذن عليهم مسجدا) أي معبدا يكون مباركا لمجاورته هؤلاء الصالحين. وهذا كان شائعا فيمن كان قبلنا، فأما في شرعنا فقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (1) يحذر ما فعلوا وأما قوله: (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) [الكهف: 21] فمعنى أعثرنا أطلعنا على أمرهم الناس. قال كثير من المفسرين ليعلم الناس أن المعاد حق، وأن الساعة لا ريب فيها. إذا علموا أن هؤلاء القوم رقدوا أزيد من ثلاثمائة سنة ثم قاموا كما كانوا من غير تغير منهم، فإن من أبقاهم كما هم، قادر على إعادة الأبدان وإن أكلتها الديدان وعلى إحياء الأموات وإن صارت أجسامهم وعظامهم رفاتا وهذا مما لا يشك فيه المؤمنون (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) [يس: 82]. هذا ويحتمل عود الضمير في قوله ليعلموا إلى أصحاب الكهف إذ علمهم بذلك من أنفسهم أبلغ من علم غيرهم بهم، ويحتمل أن يعود على الجميع والله أعلم. ثم قال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) فذكر اختلاف الناس في كميتهم فحكى ثلاثة أقوال وضعف الأولين وقرر الثالث فدل على أنه الحق إذ لو قيل غير ذلك لحكاه ولو لم يكن هذا الثالث هو الصحيح لوهاه فدل على ما قلناه (2) ولما كان النزاع في مثل هذا لا طائل تحته ولا جدوى عنده أرشد نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الأدب في مثل هذا الحال إذا اختلف الناس فيه أن يقول الله أعلم. ولهذا قال: (قل ربي أعلم بعدتهم) وقوله: (وما يعلمهم إلا قليل) أي من الناس (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا) أي سهلا ولا تتكلف أعمال الجدال في مثل هذا الحال ولا تستفت في أمرهم أحدا من الرجال ولهذا أبهم تعالى عدتهم في أول القصة فقال: (إنهم فتية آمنوا بربهم) ولو كان في تعين عدتهم كبير فائدة لذكرها عالم الغيب والشهادة وقوله تعالى: (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) [الكهف: 23 - 24] أدب عظيم أرشده الله تعالى إليه وحث خلقه عليه وهو ما إذا قال أحدهم إني سأفعل في المستقبل كذا، فيشرع له أن يقول: إن شاء الله ليكون ذلك تحقيقا لعزمه، لان العبد لا يعلم ما في غد ولا
(١٣٨)