لا سلطان يمنعهم ولا يقدر عليهم لأنه كان يغريهم وهم بطانته وكانوا يمسكون المجتازين في الطريق ولا يعدي عليهم أحد وكان الناس معهم في بلاء عظيم.
وآخر أمرهم أنهم خرجوا إلى قطربل وانتهبوها علانية وأخذوا العين والمتاع والدواب فباعوها ببغداد ظاهرا واستعدى أهلها السلطان فلم يعدهم وكان ذلك آخر شعبان.
فلما رأى الناس ذلك قام صلحاء كل ربض ودرب ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا إنما في الدرب الفاسق والفاسقان إلى العشرة وقد غلبوكم وأنتم أكثر منهم فلو اجتمعتم لقمعتم هؤلاء الفساق ولعجزوا عن الذي يفعلونه؛ فقام رجل يقال له خالد الدريوش فدعا جيرانه وأهل محلته على أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابوه إلى ذلك فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم وامتنعوا عليه وأرادوا قتاله فقاتلهم فهزموهم وضرب من أخذه من الفساق وحبسهم ورفعهم إلى السلطان إلا أنه كان لا يرى أن يغر على السلطان شيئا.
ثم قام بعده رجل من الحربية يقال له سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان ويكنى أبا حاتم فدعا الناس إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بالكتاب والسنة وعلق مصحفا في عنقه وأمر أهل محلته ونهاهم فقبلوا منه ودعا الناس جميعا الشريف والوضيع من بني هاشم وغيرهم فأتاه خلق عظيم فبايعوه على ذلك وعلى القتال معه لمن خالفه وطاف ببغداد وأسواقها؛ وكان قيام سهل لأربع خلون من رمضان وقيام الدريوش قبله بيومين أو ثلاثة.