وبعد ذلك خرجت من الحرم متجها إلى حرم أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وبعد أداء مراسيم الزيارة، شكوت له حالي كما شكوت قبل ذلك إلى أبيه وأخيه، لعلي أجد ضالتي، ثم خرجت إلى الصحن الشريف، وكان ذلك أو ان شروق الشمس، وما أن جلست في أحد الأواوين وأنا أحدث نفسي إذ أقبل إلي الخطيب المفوه الشيخ محسن أبو الحب - وهو أبرز خطيب في كربلاء في حينه - فسلم علي وعانقني مرحبا بي، ثم دعاني إلى داره القريبة للاستراحة ولتناول فطور الصباح، فأجبت الدعوة وذهبت معه، وكان الوقت صائفا.
فجلسنا في المكان المعد لنا في حديقة داره، وبعد استراحة قصيرة قلت له:
أرني مكتبتك، قال: إن شاء الله بعد أن نتناول الفطور، قلت: إني آنس بالمكتبة والكتاب أكثر مما آنس بالجنينة وأزهارها، فامتثل الشيخ محسن أبو الحب، فرافقني إلى مكتبته، وإذا بها مكتبة عامرة كما وكيفا، فصرت أجول بين الكتب:
اقلب هذا، وأتفحص ذاك، وأطالع الآخر، حتى عثرت على ضالتي المنشودة، ووجدت الكتاب الذي أبحث عنه " ربيع الأبرار " للزمخشري.
ولما مسكته بيدي عرفت سر أمر الإمام (عليه السلام)، ثم خنقتني العبرة وأجهشت بالبكاء، فجاءني صاحب الدار مستغربا، ومستفسرا عن سر بكائي!
فحدثته عن مجريات الأمور مفصلا، وقلت له: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمرني وحولني على ابنه أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، والإمام الحسين (عليه السلام) حولني بدوره عليك.
فلما سمع الشيخ محسن أبو الحب ذلك بكى ثم هزته الأريحية، فأمسك بالكتاب وقال: شيخنا الجليل، هذا الكتاب الخطي يعتبر من النوادر، وإن قاسم محمد الرجب (1) - الناشر وصاحب مكتبة المثنى ببغداد - دفع لي به مبلغ ألف دينار (2) لشرائه حتى يطبعه فما أعطيته إياه.