سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن الأصل البقاء في كل شئ. لكنه منقوض بالزمان والحركات من حيث إن الأصل فيهما التقضي دون البقاء والاستمرار.
وما ذكرتموه من الوجه الثاني فليس فيه ما يدل على ظن البقاء بل إنما كان ذلك مجوزا منهم لاحتمال إصابة الغرض فيما فعلوه، وذلك كاستحسان الرمي إلى الغرض لقصد الإصابة، لاحتمال وقوعها، وإن لم تكن الإصابة ظاهرة، بل مرجوحة أو مساوية.
وما ذكرتموه من الوجه الثالث لا نسلم أن ظن البقاء أغلب من ظن التغير.
وما ذكرتموه من زيادة توقف التغير على تبدل الوجود بالعدم أو بالعكس، معارض بما يتوقف عليه البقاء من تجدد مثل السابق وإن سلمنا أن ما يتوقف عليه التغير أكثر، لكن لا نسلم أنه يدل على غلبة البقاء على التغير، لجواز أن تكون الأشياء المتعددة التي يتوقف عليها التغير أغلب في الوجود من الاعداد القليلة التي يتوقف عليها البقاء، أو مساوية لها. وإن سلمنا أن البقاء أغلب من التغير، ولكن لا نسلم كونه غالبا على الظن، لجواز أن يكون الشئ أغلب من غيره، وإن غلب على الظن عدمه في نفسه. سلمنا دلالة ذلك على الأغلبية، لكن فيما هو قابل للبقاء أو فيما ليس قابلا له؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع. فلم قلتم بأن الاعراض التي وقع النزاع في بقائها قابلة للبقاء؟ كيف وإنها غير قابلة، لما علم في الكلاميات.
وما ذكرتموه من الوجه الرابع لا نسلم أن الباقي لا يفتقر إلى مؤثر.
وما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه، وذلك لان الباقي في حالة بقائه إما أن يكون واجبا لذاته، أو ممكنا لذاته: الأول محال، وإلا لما تصور عليه العدم، وإن كان ممكنا، فلا بد له من مؤثر، وإلا لا نسد علينا باب إثبات واجب الوجود.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن الأصل في كل متحقق دوامه، لكنه معارض بما يدل على عدمه، وبيانه من ثلاثة أوجه.
الأول: أنه لو كان الأصل في كل شئ استمراره ودوامه، لكان حدوث جميع الحوادث على خلاف الدليل المقتضي لاستمرار عدمها، وهو خلاف الأصل.