وإنما قلنا ذلك، لأنه لو لم يكن الراجح هو الاستصحاب، لم يخل:
إما أن يكون الراجح عدم الاستصحاب، أو أن الاستصحاب، وعدمه سيان:
فإن كان الأول فيلزم منه امتناع جواز الصلاة في الصورة الثانية لظن فوات الطهارة، وإن كان الثاني، فلا يخلو:
إما أن يكون استواء الطرفين مما تجوز معه الصلاة أو لا تجوز فإن كان الأول فيلزم منه جواز الصلاة في الصورة الأولى، وإن كان الثاني فيلزمه عدم جواز الصلاة في الصورة الثانية. وكل ذلك ممتنع.
الوجه الثاني أن العقلاء وأهل العرف إذا تحققوا وجود شئ أو عدمه وله أحكام خاصة به، فإنهم يسوغون القضاء والحكم بها في المستقبل من زمان ذلك الوجود أو العدم، حتى إنهم يجيزون مراسلة من عرفوا وجوده قبل ذلك بمدد متطاولة، وإنفاذ الودائع إليه، ويشهدون في الحالة الراهنة بالدين على من أقر به قبل تلك الحالة. ولولا أن الأصل بقاء ما كان على على ما كان، لما ساغ لهم ذلك الثالث أن ظن البقاء أغلب من ظن التغير، وذلك لان الباقي لا يتوقف على أكثر من وجود الزمان المستقبل ومقابل ذلك الباقي له كان وجودا أو عدما.
وأما التغير فمتوقف على ثلاثة أمور: وجود الزمان المستقبل، وتبدل الوجود بالعدم أو العدم بالوجود، ومقارنة ذلك الوجود أو العدم لذلك الزمان. ولا يخفى أن تحقق ما يتوقف على أمرين لا غير أغلب مما يتوقف على ذينك الامرين وثالث غيرهما.
الوجه الرابع إذا وقع العرض فيما هو باق بنفسه، الجوهر، فقد يقال:
غلبة الظن بدوامه أكثر من تغيره، فكان دوامه أولى. وذلك لان بقاءه مستغن عن المؤثر حالة بقائه، لأنه لو افتقر إلى المؤثر، فإما أن يصدر عن ذلك المؤثر أثر، أو لا يصدر عنه أثر: فإن صدر عنه أثر، فإما أن يكون هو عين ما كان ثابتا أو شيئا متجددا: الأول محال، لما فيه من تحصيل الحاصل، والثاني فعلى خلاف الفرض. وإن لم يصدر عنه أثر، فلا معنى لكونه مؤثرا وإذا كان مستغنيا في بقائه