أما كيف يفرض تقدم زمان الوجوب على زمان الواجب وبأي مناط؟
فهذا ما اختلف فيه الانظار والمحاولات.
فأول المحاولين لحل هذه الشبهة - فيما يبدو - صاحب الفصول الذي قال بجواز تقدم زمان الوجوب على طريقة " الواجب المعلق " (1) الذي اخترعه، كما أشرنا إليه في الجزء الأول (ص 136) وذلك في خصوص الموقتات، بفرض أن الوقت في الموقتات وقت للواجب فقط، لا للوجوب، أي أن الوقت ليس شرطا وقيدا للوجوب، بل هو قيد للواجب. فالوجوب - على هذا الفرض - متقدم على الوقت ولكن الواجب معلق على حضور وقته. والفرق بين هذا النوع وبين الواجب المشروط هو أن التوقف في المشروط للوجوب وفي المعلق للفعل.
وعليه لا مانع من فرض وجوب المقدمة قبل زمان ذيها.
ولكن نقول: على تقدير إمكان فرض تقدم زمان الوجوب على زمان الواجب، فإن فرض رجوع القيد إلى الواجب لا إلى الوجوب يحتاج إلى دليل. ونفس ثبوت وجوب المقدمة المفوتة قبل زمان وجوب ذيها لا يكون وحده دليلا على ثبوت الواجب المعلق، لأن الطريق في تصحيح وجوب المقدمة المفوتة لا ينحصر فيه، كما سيأتي بيان الطريق الصحيح.
والمحاولة الثانية: ما نسب إلى الشيخ الأنصاري من رجوع القيد في جميع شرائط الوجوب إلى المادة (2) - وإن اشتهر القول برجوعها إلى الهيئة - سواء كان الشرط هو الوقت أو غيره كالاستطاعة للحج والقدرة والبلوغ والعقل ونحوها من الشرائط العامة لجميع التكاليف. ومعنى ذلك: أن الوجوب الذي هو مدلول الهيئة في جميع الواجبات مطلق دائما غير مقيد بشرط أبدا، وكل ما يتوهم من رجوع القيد إلى الوجوب فهو راجع في