ونحن نقول: لو لم يحكم الشارع المقدس بوجوب مثل هذه المقدمات، فإن العقل يحكم بلزوم الإتيان بها، لأن تركها موجب لتفويت الواجب في ظرفه، ويحكم أيضا بأن التارك لها يستحق العقاب على الواجب في ظرفه بسبب تركها.
ولأول وهلة يبدو أن هذين الحكمين العقليين الواضحين لا ينطبقان على القواعد العقلية البديهية في الباب من جهتين:
أما أولا: فلأن وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها، على أي نحو فرض من أنحاء التبعية، لا سيما إذا كان من نحو تبعية المعلول لعلته على ما هو المشهور. فكيف يفرض الواجب (1) التابع في زمان سابق على زمان فرض الوجوب المتبوع؟
وأما ثانيا: فلأ أنه كيف يستحق العقاب على ترك الواجب بترك مقدمته قبل حضور وقته، مع أنه حسب الفرض لا وجوب له فعلا. وأما في ظرفه فينبغي أن يسقط وجوبه، لعدم القدرة عليه بترك مقدمته والقدرة شرط عقلي في الوجوب.
ولأجل التوفيق بين هاتيك البديهيات العقلية التي يبدو كأنها متعارضة - وإن كان يستحيل التعارض في الأحكام العقلية وبديهيات العقل - حاول جماعة من أعلام الأصوليين المتأخرين تصحيح ذلك بفرض انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب وتقدمه عليه، إما في خصوص الموقتات أو في مطلق الواجبات، على اختلاف المسالك. وبذلك يحصل لهم التوفيق بين تلكم الأحكام العقلية، لأ أنه حينما يفرض تقدم وجوب ذي المقدمة على زمانه فلا مانع من فرض وجوب المقدمة قبل وقت الواجب، وكان استحقاق العقاب على ترك الواجب على القاعدة، لأن وجوبه كان فعليا حين ترك المقدمة.