العبادي. ويكفي في عبادية الفعل كما قلنا ارتباطه بالمولى والإتيان به متقربا إليه تعالى مع عدم ما يمنع من التعبد به. ولا شك في أن قصد الشروع بامتثال الأمر النفسي بفعل مقدماته قاصدا بها التوصل إلى الواجب النفسي العبادي يعد طاعة وانقيادا للمولى.
وبهذا تصحح عبادية المقدمة وإن لم نقل بوجوبها الغيري، ولا حاجة إلى فرض طاعة الأمر الغيري.
ومن هنا يصح أن تقع كل مقدمة عبادة ويستحق عليها الثواب بهذا الاعتبار وإن لم تكن في نفسها معتبرا فيها أن تقع على وجه العبادة، كتطهير الثوب - مثلا - مقدمة للصلاة، أو كالمشي حافيا مقدمة للحج أو الزيارة. غاية الأمر أن الفرق بين المقدمات العبادية وغيرها أن غير العبادية لا يلزم فيها أن تقع على وجه قربي، بخلاف المقدمات المشروط فيها أن تقع عبادة، كالطهارات الثلاث.
ويؤيد ذلك ما ورد من الثواب على بعض المقدمات (1). ولا حاجة إلى التأويل الذي ذكرناه سابقا في الأمر الثالث من أن الثواب على ذي المقدمة يوزع على المقدمات باعتبار دخالتها في زيادة حمازة الواجب، فإن ذلك التأويل مبني على فرض ثبوت الأمر الغيري وأن عبادية المقدمة واستحقاق الثواب عليها لا ينشئان إلا من جهة الأمر الغيري، اتباعا للمشهور المعروف بين القوم.
فإن قلت: إن الأمر لا يدعو إلا إلى ما تعلق به، فلا يعقل أن يكون الأمر بذي المقدمة داعيا بنفسه إلى المقدمة إلا إذا قلنا بترشح أمر آخر منه بالمقدمة، فيكون هو الداعي، وليس هذا الأمر الآخر المترشح إلا الأمر الغيري. فرجع الإشكال جذعا.