قلت: نعم، الأمر لا يدعو إلا إلى ما تعلق به، ولكنا لا ندعي أن الأمر بذي المقدمة هو الذي يدعو إلى المقدمة، بل نقول: إن العقل هو الداعي إلى فعل المقدمة توصلا إلى فعل الواجب. وسيأتي أن هذا الحكم العقلي لا يستكشف منه ثبوت أمر غيري من المولى. ولا يلزم أن يكون هناك أمر بنفس المقدمة لتصحيح عباديتها ويكون داعيا إليها.
والحاصل: أن الداعي إلى فعل المقدمة هو حكم العقل، والمصحح لعباديتها شئ آخر هو قصد التقرب بها، ويكفي في التقرب بها إلى الله أن يأتي بها بقصد التوصل إلى ما هو عبادة. لا أن الداعي إلى فعل المقدمة هو نفس المصحح لعباديتها، ولا أن المصحح لعبادية العبادة منحصر في قصد الأمر المتعلق بها. وقد سبق توضيح ذلك.
وعليه، فإن كانت المقدمة ذات الفعل - كالتطهير من الخبث - فالعقل لا يحكم إلا بإتيانها على أي وجه وقعت. ولكن لو أتى بها المكلف متقربا بها إلى الله توصلا إلى العبادة صح ووقعت على صفة العبادية واستحق عليها الثواب. وإن كانت المقدمة عملا عباديا - كالطهارة من الحدث - فالعقل يلزم بالإتيان بها كذلك، والمفروض أن المكلف متمكن من ذلك، سواء كان هناك أمر غيري أم لم يكن، وسواء كانت المقدمة في نفسها مستحبة أم لم تكن.
فلا إشكال من جميع الوجوه في عبادية الطهارات.
النتيجة:
مسألة مقدمة الواجب والأقوال فيها بعد تقديم تلك التمهيدات التسعة نرجع إلى أصل المسألة، وهو البحث عن وجوب مقدمة الواجب الذي قلنا: إنه آخر ما يشغل بال الأصوليين.