الحقيقة إلى الواجب الذي هو مدلول المادة. غاية الأمر أن بعض القيود مأخوذة في الواجب على وجه يكون مفروض الحصول والوقوع كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج، ومثل هذا لا يجب تحصيله ويكون حكمه حكم ما لو كان شرطا للوجوب. وبعضها لا يكون مأخوذا على وجه يكون مفروض الحصول، بل يجب تحصيله توصلا إلى الواجب، لأن الواجب يكون هو المقيد بما هو مقيد بذلك القيد.
وعلى هذا التصوير فالوجوب يكون دائما فعليا قبل مجئ وقته، وشأنه في ذلك شأن الوجوب على القول بالواجب المعلق، لا فرق بينهما في الموقتات بالنسبة إلى الوقت، فإذا كان الواجب استقباليا فلا مانع من وجوب المقدمة المفوتة قبل زمان ذيها.
والمحاولة الثالثة: ما نسب إلى بعضهم من أن الوقت شرط للوجوب، لا للواجب كما في المحاولتين الأوليتين، ولكنه مأخوذ فيه على نحو الشرط المتأخر (1). وعليه، فالوجوب يكون سابقا على زمان الواجب نظير القول بالمعلق فيصح فرض وجوب المقدمة المفوتة قبل زمان ذيها لفعلية الوجوب قبل زمانه، فتجب مقدمته.
وكل هذه المحاولات مذكورة في كتب الأصول المطولة، وفيها مناقشات وأبحاث طويلة لا يسعها هذا المختصر. ومع الغض عن المناقشة في إمكانها في أنفسها لا دليل عليها إلا ثبوت وجوب المقدمة قبل زمان ذيها، إذ كل صاحب محاولة منها يعتقد أن التخلص من إشكال وجوب المقدمة قبل زمان ذيها ينحصر في المحاولة التي يتصورها، فالدليل الذي يدل على وجوب المقدمة المفوتة قبل وقت الواجب لا محالة يدل عنده على محاولته.