هذه خلاصة الرأيين. وأعتقد عدم اتضاح رأي الطرفين بهذا البيان، ولا تزال نقط غامضة في البحث إذا لم نبينها بوضوح لا نستطيع أن نحكم لأحد الطرفين. وهو أمر ضروري مقدمة للمسألة الأصولية، ولتوقف وجوب المعرفة عليه.
فلابد من بسط البحث بأوسع مما أخذنا على أنفسنا من الاختصار في هذا الكتاب، لأهمية هذا الموضوع من جهة، ولعدم إعطائه حقه من التنقيح في أكثر الكتب الكلامية والأصولية من جهة أخرى.
وأكلفكم قبل الدخول في هذا البحث بالرجوع إلى ما حررته في الجزء الثالث من المنطق (ص 17 - 23) (1) عن القضايا المشهورات، لتستعينوا به على ما هنا.
والآن أعقد البحث هنا في أمور:
1 - معنى الحسن والقبح وتصوير النزاع فيهما إن الحسن والقبح لا يستعملان بمعنى واحد، بل لهما ثلاث معان، فأي هذه المعاني هو موضوع النزاع؟ فنقول:
أولا: قد يطلق الحسن والقبح ويراد بهما الكمال والنقض. ويقعان وصفا بهذا المعنى للأفعال الاختيارية ولمتعلقات الأفعال. فيقال مثلا: العلم حسن، والتعلم حسن، وبضد ذلك يقال: الجهل قبيح وإهمال التعلم قبيح.
ويراد بذلك أن العلم والتعلم كمال للنفس وتطور في وجودها، وأن الجهل وإهمال التعلم نقصان فيها وتأخر في وجودها.
وكثير من الأخلاق الإنسانية حسنها وقبحها باعتبار هذا المعنى، فالشجاعة والكرم والحلم والعدالة والإنصاف ونحو ذلك إنما حسنها