المتأخرين - القول الثاني، وهو عدم وجوبها مطلقا.
والدليل عليه واضح بعد ما قلناه (ص 294) من أنه في موارد حكم العقل بلزوم شئ على وجه يكون حكما داعيا للمكلف إلى فعل الشئ لا يبقى مجال للأمر المولوي، فإن هذه المسألة من ذلك الباب من جهة العلة.
وذلك: لأنه إذا كان الأمر بذي المقدمة داعيا للمكلف إلى الإتيان بالمأمور به، فإن دعوته هذه - لا محالة بحكم العقل - تحمله وتدعوه إلى الإتيان بكل ما يتوقف عليه المأمور به تحصيلا له. ومع فرض وجود هذا الداعي في نفس المكلف لا تبقى حاجة إلى داع آخر من قبل المولى مع علم المولى - حسب الفرض - بوجود هذا الداعي، لأن الأمر المولوي - سواء كان نفسيا أم غيريا - إنما يجعله المولى لغرض تحريك المكلف نحو فعل المأمور به، إذ يجعل الداعي في نفسه حيث لا داع (1). بل يستحيل في هذا الفرض جعل الداعي الثاني من المولى، لأ أنه يكون من باب تحصيل الحاصل.
وبعبارة أخرى: أن الأمر بذي المقدمة لو لم يكن كافيا في دعوة المكلف إلى الإتيان بالمقدمة فألف أمر (2) بالمقدمة لا ينفع ولا يكفي للدعوة إليها بما هي مقدمة. ومع كفاية الأمر بذي المقدمة لتحريكه إلى المقدمة وللدعوة إليها فأية حاجة تبقى إلى الأمر بها من قبل المولى؟ بل يكون عبثا ولغوا، بل يمتنع، لأ أنه تحصيل للحاصل.