الأمر الغيري المندك فيه الأمر الاستحبابي. وبعبارة أخرى: قد فرضنا الطهارات عبادات نفسية في مرتبة سابقة على الأمر الغيري المتعلق بها، والأمر الغيري إنما يدعو إلى ذلك، فإذا جاء المكلف بها بداعي الأمر الغيري المندك فيه الاستحباب - والمفروض ليس هناك أمر موجود غيره - صح التقرب به ووقعت عبادة لا محالة، فيتحقق ما هو شرط الواجب ومقدمته.
هذا كله بناء على ثبوت الأمر الغيري بالمقدمة، وبناء على أن مناط عبادية العبادة هو قصد الأمر المتعلق بها.
وكلا المبنيين نحن لا نقول بهما.
أما الأول: فسيأتي في البحث الآتي الدليل على عدم وجوب مقدمة الواجب، فلا أمر غيري أصلا.
وأما الثاني فلأن الحق أنه يكفي في عبادية الفعل ارتباطه بالمولى والإتيان به متقربا إليه تعالى. غاية الأمر أن العبادات قد ثبت أنها توقيفية فما لم يثبت رضا المولى بالفعل وحسن الانقياد وقصد وجه الله بالفعل لا يصح الإتيان بالفعل عبادة بل يكون تشريعا محرما. ولا يتوقف ذلك على تعلق أمر المولى بنفس الفعل على أن يكون أمرا فعليا من المولى، ولذا قيل: يكفي في عبادية العبادة حسنها الذاتي ومحبوبيتها الذاتية للمولى حتى لو كان هناك مانع من توجه الأمر الفعلي بها (1).
وإذا ثبت ذلك، فنقول في تصحيح عبادية الطهارات: إن فعل المقدمة بنفسه يعد شروعا في امتثال ذي المقدمة الذي هو حسب الفرض في المقام عبادة في نفسه مأمور بها.
فيكون الإتيان بالمقدمة بنفسه يعد امتثالا للأمر النفسي بذي المقدمة