سابق عليه، وليس هو إلا الأمر الاستحبابي النفسي المتعلق بها، وهذا يصحح عباديتها قبل فرض تعلق الأمر الغيري بها، وإن كان حين توجه الأمر الغيري لا يبقى ذلك الاستحباب بحده، وهو جواز الترك، ولكن لا تذهب بذلك عباديتها، لأن المناط في عباديتها ليس جواز الترك كما هو واضح، بل المناط مطلوبيتها الذاتية ورجحانها النفسي، وهي باقية بعد تعلق الأمر الغيري.
وإذا صح تعلق الأمر الغيري بها بما هي عبادة واندكاك الاستحباب فيه، بمعنى أن الأمر الغيري يكون استمرارا لتلك المطلوبية، فإنه حينئذ لا يبقى إلا الأمر الغيري صالحا للدعوة إليها، ويكون هذا الأمر الغيري نفسه أمرا عباديا، غاية الأمر أن عباديته لم تجئ من أجل نفس كونه أمرا غيريا، بل من أجل كونه امتدادا لتلك المطلوبية النفسية وذلك الرجحان الذاتي الذي حصل من ناحية الأمر الاستحبابي النفسي السابق.
وعليه، فينقلب الأمر الغيري عباديا، ولكنها عبادية بالعرض لا بالذات حتى يقال: إن الأمر الغيري توصلي لا يصلح للعبادية.
ومن هنا لا يصح الإتيان بالطهارة بقصد الاستحباب بعد دخول الوقت للواجب المشروط بها، لأن الاستحباب بحده قد اندك في الأمر الغيري فلم يعد موجودا حتى يصح قصده.
نعم يبقى أن يقال: إن الأمر الغيري إنما يدعو إلى الطهارة الواقعة على وجه العبادة، لأ أنه حسب الفرض متعلقه هو الطهارة بصفة العبادة، لا ذات الطهارة، والأمر لا يدعو إلا إلى ما تعلق به، فكيف صح أن يؤتى بذات العبادة بداعي امتثال أمرها الغيري ولا أمر غيري بذات العبادة؟
ولكن ندفع هذا الإشكال بأن نقول: إذا كان الوضوء - مثلا - مستحبا نفسيا فهو قابل لأن يتقرب به من المولى، وفعلية التقرب تتحقق بقصد