تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٥٠
با الطاغوت) هو بناء مبالغة من الطغيان كالملكوت والجبروت قلب مكان عينه ولامه فقيل هو في الأصل مصدر وإليه ذهب الفارسي وقيل اسم جنس مفرد مذكر وإنما الجمع والتأنيث لإرادة الآلهة وهو رأي سيبويه وقيل هو جمع وهو مذهب المبرد وقيل يستوى فيه المفرد والجمع والتذكير والتأنيث أي فمن يعمل أثر ما تميز الحق من الباطل بموجب الحجج الواضحة والآيات البينة ويكفر بالشيطان أو بالأصنام أو بكل ما عبد من دون الله تعالى أو صد عن عبادته تعالى لما تبين له كونه بمعزل من استحقاق العبادة «ويؤمن بالله» وحدة لما شاهد من نعوته الجليلة المقتضية لاختصاص الألوهية به عز وجل الموجبة للإيمان والتوحيد وتقديم الكفر بالطاغوت على الإيمان به تعالى لتوقفه عليه فإن التخلية متقدمة على التحلية «فقد استمسك بالعروة الوثقى» أي بالغ في التمسك بها كأنه وهو ملتبس به يطلب من نفسه الزيادة فيه والثبات عليه «لا انفصام لها» الفصم الكسر بغير إبانة كما ان القصم هو الكسر بإبانة ونفى الأول يدل على انتفاء الثاني بالأولوية والجملة إما استئناف مقرر لما قبلها من وثاقة العروة وإما حال من العروة والعامل استمسك أو من الضمير المستتر في الوثقى ولها في حيز الخبر أي كائن لها والكلام تمثيل مبنى على تشبيه الهيئة العقلية المنتزعة من ملازمة الاعتقاد الحق الذي لا يحتمل النقيض أصلا لثبوته بالبراهين النيرة القطعية بالهيئة الحسية المنتزعة من التمسك بالحبل المحكم المأمون انقطاعه فلا استعارة في المفردات ويجوز أن تكون العروة الوثقى مستعارة للاعتقاد الحق الذي هو الإيمان والتوحيد لا للنظر الصحيح المؤدى إليه كما قيل فإنه غير مذكور في حيز الشرط والاستمساك بها مستعارا لما ذكر من الملازمة أو ترشيحا للاستعارة الأولى «والله سميع» بالأقوال «عليم» بالعزائم والعقائد والجملة اعتراض تذييلي حامل على الإيمان رادع عن الكفر والنفاق بما فيه من الوعد والوعيد «الله ولي الذين آمنوا» أي معينهم أو متولى أمورهم والمراد بهم الذين ثبت في علمه تعالى إيمانهم في الجملة مآلا أو حالا «يخرجهم» تفسير للولاية أو خبر ثان عند من يجوز كونه جملة أو حال من الضمير في ولى «من الظلمات» التي هي أعم من ظلمات الكفر والمعاصي وظلمات الشبة بل مما في بعض مراتب العلوم الاستدلالية من نوع ضعف وخفاء بالقياس إلى مراتبها القوية الجلية بل مما في جميع مراتبها بالنظر إلى مرتبة العيان كما ستعرفه «إلى النور» الذي يعم نور الإيمان ونور الإيقان بمراتبه ونور العيان أي يخرج بهدايته وتوفيقه كل واحد منهم من الظلمة التي وقع فيها إلى ما يقابلها من النور وإفراد النور لوحده الحق كما أن جمع الظلمات لتعدد فنون الضلال «والذين كفروا» أي الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم «أولياؤهم» أي الشياطين وسائر المضلين عن طريق الحق فالموصول مبتدأ وأولياؤهم مبتدأ ثان والطاغوت خبره والجملة خبر للأول والجملة معطوفة على ما قبلها ولعل تغيير السبك للإحتراز عن وضع الطاغوت في
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271