فماذا قال إبراهيم لمن في هذه المرتبة من الحماقة وبماذا أفحمه فقيل قال «فإن الله يأتي بالشمس من المشرق» حسبما تقتضيه مشيئته «فأت بها من المغرب» إن كنت قادرا على مثل مقدوراته تعالى لم يلتفت عليه السلام إلى إبطال مقالة اللعين إيذانا بأن بطلانها من الجلاء والظهور بحيث لا يكاد يخفي على أحد وأن التصدي لإبطالها من قبيل السعي في تحصيل الحاصل وأتى بمثال لا يجد اللعين فيه مجالا للتمويه والتلبيس «فبهت الذي كفر» أي صار مبهوتا وقرئ على بناء الفاعل على أن الموصول مفعوله أي فغلب إبراهيم الكافر وأسكته وإيراد الكفر في حيز الصلة للإشعار بعلة الحكم والتنصيص على كون المحاجة كفرا «والله لا يهدي القوم الظالمين» تذييل مقرر لمضمون ما قبله أي لا يهدي الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب المخلد بسبب إعراضهم عن قبول الهداية إلى مناهج الاستدلال أو إلى سبيل النجاة أو إلى طريق الجنة يوم القيامة «أو كالذي مر على قرية» استشهاد على ما ذكر من ولايته تعالى للمؤمنين وتقرير له معطوف على الموصول السابق وإيثار أو الفارقة على الواو الجامعة للاحتراز عن توهم اتحاد المستشهد عليه من أول الامر والكاف إما اسمية كما اختاره قوم جيئ بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر كما في قولك الفعل الماضي مثل نصر واما زائده كما ارتضاه آخرون والمعنى أولم ترى إلى مثل الذي أو إلى الذي مر على قرية كيف هداه الله تعالى واخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود اى قد رأيت ذلك وشاهدت فإذن لا ريب في ان الله ولي الذين آمنوا الخ هذا واما جعل الهمزة لمجرد التعجيب على ان يكون المعنى في الأول ألم تنظر إلى الذي حاج الخ أي انظر اليه وتعجب من امره وفي الثاني أو أرأيت مثل الذي مر الخ إيذانا بأن حاله وما جرى عليه في الغرابة بحيث لا يرى له مثل كما استقر عليه رأى الجمهور فغير خليق بجزالة التنزيل وفخامة شأنه الجليل فتدبر والمار هو عزير بن شرخيا قاله قتادة والربيع وعكرمة وناجية بن كعب وسليمان بن يزيد والضحاك والسدي رضي الله عنهم وقيل هو أرميا بن حلقيا من سبط هارون عليه السلام قاله وهب وعبيد الله بن عمير وقيل ارميا هو الخضر بعينه قال مجاهد كان المار رجلا كافرا بالبعث وهو بعيد والقرية بيت المقدس قاله وهب وعكرمة والربيع وقيل هي دير هرقل على شط دجلة قال الكلبي هي دير سابر آباد وقال السدي هي ديار سلما باد والأول هو الأظهر والأشهر روى ان بني إسرائيل لما بالغوا في تعاطي الشر والفساد وجاوزوا في العتو والطغيان كل حد معتاد سلط الله تعالى عليهم بختنصر البابلي فسار إليهم في ستمائة ألف راية حتى وطئ الشام وخرب بيت المقدس وجعل بني إسرائيل أثلاثا ثلث منهم قتلهم وثلث منهم أقرهم بالشام وثلث منهم سباهم وكانوا مائة ألف
(٢٥٢)