تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٥٢
فماذا قال إبراهيم لمن في هذه المرتبة من الحماقة وبماذا أفحمه فقيل قال «فإن الله يأتي بالشمس من المشرق» حسبما تقتضيه مشيئته «فأت بها من المغرب» إن كنت قادرا على مثل مقدوراته تعالى لم يلتفت عليه السلام إلى إبطال مقالة اللعين إيذانا بأن بطلانها من الجلاء والظهور بحيث لا يكاد يخفي على أحد وأن التصدي لإبطالها من قبيل السعي في تحصيل الحاصل وأتى بمثال لا يجد اللعين فيه مجالا للتمويه والتلبيس «فبهت الذي كفر» أي صار مبهوتا وقرئ على بناء الفاعل على أن الموصول مفعوله أي فغلب إبراهيم الكافر وأسكته وإيراد الكفر في حيز الصلة للإشعار بعلة الحكم والتنصيص على كون المحاجة كفرا «والله لا يهدي القوم الظالمين» تذييل مقرر لمضمون ما قبله أي لا يهدي الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب المخلد بسبب إعراضهم عن قبول الهداية إلى مناهج الاستدلال أو إلى سبيل النجاة أو إلى طريق الجنة يوم القيامة «أو كالذي مر على قرية» استشهاد على ما ذكر من ولايته تعالى للمؤمنين وتقرير له معطوف على الموصول السابق وإيثار أو الفارقة على الواو الجامعة للاحتراز عن توهم اتحاد المستشهد عليه من أول الامر والكاف إما اسمية كما اختاره قوم جيئ بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر كما في قولك الفعل الماضي مثل نصر واما زائده كما ارتضاه آخرون والمعنى أولم ترى إلى مثل الذي أو إلى الذي مر على قرية كيف هداه الله تعالى واخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود اى قد رأيت ذلك وشاهدت فإذن لا ريب في ان الله ولي الذين آمنوا الخ هذا واما جعل الهمزة لمجرد التعجيب على ان يكون المعنى في الأول ألم تنظر إلى الذي حاج الخ أي انظر اليه وتعجب من امره وفي الثاني أو أرأيت مثل الذي مر الخ إيذانا بأن حاله وما جرى عليه في الغرابة بحيث لا يرى له مثل كما استقر عليه رأى الجمهور فغير خليق بجزالة التنزيل وفخامة شأنه الجليل فتدبر والمار هو عزير بن شرخيا قاله قتادة والربيع وعكرمة وناجية بن كعب وسليمان بن يزيد والضحاك والسدي رضي الله عنهم وقيل هو أرميا بن حلقيا من سبط هارون عليه السلام قاله وهب وعبيد الله بن عمير وقيل ارميا هو الخضر بعينه قال مجاهد كان المار رجلا كافرا بالبعث وهو بعيد والقرية بيت المقدس قاله وهب وعكرمة والربيع وقيل هي دير هرقل على شط دجلة قال الكلبي هي دير سابر آباد وقال السدي هي ديار سلما باد والأول هو الأظهر والأشهر روى ان بني إسرائيل لما بالغوا في تعاطي الشر والفساد وجاوزوا في العتو والطغيان كل حد معتاد سلط الله تعالى عليهم بختنصر البابلي فسار إليهم في ستمائة ألف راية حتى وطئ الشام وخرب بيت المقدس وجعل بني إسرائيل أثلاثا ثلث منهم قتلهم وثلث منهم أقرهم بالشام وثلث منهم سباهم وكانوا مائة ألف
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271