تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١١٦
«أفتطمعون» تلوين للخطاب وصرف له عن اليهود أثر ما عدت هناتهم ونعيت عليهم جناياتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين والهمزة لإنكار الواقع واستبعاده كما في قولك أتضرب أباك لا لإنكار الوقوع كما في قوله أأضرب أبي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه نظام الكلام لكن لا على قصد توجيه الإنكار إلى المعطوفين معا كما في أفلا تبصرون على تقدير المعطوف عليه منفيا أي ألا تنظرون فلا تبصرون فالمنكر كلا الأمرين بل إلى ترتب الثاني على الأول مع وجوب ان يترتب عليه نقيضه كما إذا قدر الأول مثبتا أي أتنظرون فلا تبصرون فالمنكر ترتب الثاني على الأول مع وجوب ان يترتب عليه نقيضه أي أتسمعون أخبارهم وتعلمون أحوالهم فتطمعون ومآل المعنى أبعد ان علمتم تفاصيل شؤونهم المؤيسة عنهم تطمعون «أن يؤمنوا» فإنهم متماثلون في شدة الشكيمة والأخلاق الذميمة لا يتأتى من أخلاقهم الا مثل ما أتى من أسلافهم وأن مصدرية حذف عنها الجار والأصل في أن يؤمنوا وهي مع ما في حيزها في محل النصب أو الجر على الخلاف المعروف واللام في لكم لتضمين معنى الاستجابة كما في قوله عز وجل «فآمن له لوط» أي في إيمانهم مستجيبين لكم أو للتعليل أي في أن يحدثوا الايمان لأجل دعوتكم وصلة الايمان محذوفة لظهور ان المراد به معناه الشرعي وستقف على ما فيه من المزية بإذن الله تعالى «وقد كان فريق منهم» الفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه كالرهط والقوم والجار والمجرور في محل الرفع أي فريق كائن منهم وقوله تعالى «يسمعون كلام الله» خبر كان وقرئ كلم الله والجملة حالية مؤكدة للإنكار حاسمة لمادة الطمع مثل أحوالهم الشنيعة المحكية فيما سلف على منهاج قوله «وهم لكم عدو» بعد قوله تعالى «أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني» أي والحال ان طائفة منهم قال ابن عباس رضي الله عنهما هم قوم من السبعين المختارين للميقات كانوا يسمعون كلامه تعالى حين كلم موسى عليه السلام بالطور وما أمر به ونهى عنه «ثم يحرفونه» عن مواضعه لا لقصور فهمهم عن الإحاطة بتفاصيله على ما ينبغي لاستيلاء الدهشة والمهابة حسبما يقتضيه مقام الكبرياء بل «من بعد ما عقلوه» أي فهموه وضبطوه بعقولهم ولم تبق لهم في مضمونه ولا في كونه كلام رب العزة ريبة أصلا فلما رجعوا إلى قومهم أداه الصادقون إليهم كما سمعوا وهؤلاء قالوا سمعنا الله تعالى يقول في آخر كلامه إن استطعتم ان تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا فلا بأس فثم للتراخي زمانا أو رتبة وقال القفال سمعوا كلام الله وعقلوا مراده تعالى منه فأولوه تأويلا فاسدا وقيل هم رؤساء اسلافهم الذين تولوا تحريف التوراة بعد ما أحاطوا بما فيها علما وقيل هم الذين غيروا نعت النبي صلى الله عليه وسلم في عصره وبدلوا آية الرجم ويأباه الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل الدال على وقوع السماع والتحريف فيما سلف إلا أن يحمل ذلك على تقدمه على زمان نزول الآية الكريمة لا على تقدمه على عهده عليه الصلاة والسلام هذا والأول هو الأنسب بالسماع والكلام إذ
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271