تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٦١
والتأسف عليها «كذلك» توحيد الكاف مع كون المخاطب جمعا قد مر وجهه مرارا أي مثل البيان الواضح الجاري في الظهور مجرى الأمور المحسوسة «يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون» كي تتفكروا فيها وتعتبروا بما فيها من العبر وتعملوا بموجبها «يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم» بيان لحال ما ينفق منه إثر بيان أصل الإنفاق وكيفيته أي أنفقوا من حلال ما كسبتم وجياده لقوله تعالى «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» «ومما أخرجنا لكم من الأرض» أي من طيبات ما أخرجنا لكم من الحبوب والثمار والمعادن فحذف لدلالة ما قبله عليه «ولا تيمموا» بفتح التاء أصله ولا تتيمموا وقرئ بضمها وقرئ ولا تأمموا والكل بمعنى القصد أي لا تقصدوا «الخبيث» أي الردئ الخسيس وهو كالطيب من الصفات الغالبة التي لا تذكر موصوفاتها «منه تنفقون» الجار متعلق بتنفقون والضمير للخبيث والتقديم للتخصيص والجملة حال من فاعل تيمموا أي لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه أو من الخبيث أي مختصا به الإنفاق وأياما كان فالتخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطونه من أنفاق الخبيث خاصة لا لتسويغ إنفاقه مع الطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا يتصدقون بحشف التمر وشرارة فنهوا عنه وقيل متعلق بمحذوف وقع حالا من الخبيث والضمير للمال المدلول عليه بحسب المقام أو للموصولين على طريقة قوله * كأنه في الجلد توليع البهق * أو للثاني وتخصيصه بذلك لما أن التفاوت فيه أكثر وتنفقون حال من الفاعل المذكور أي ولا تقصدوا الخبيث كائنا من المال أو مما كسبتم وما أخرجنا لكم أو مما أخرجنا لكم منفقين إياه وقوله تعالى «ولستم بآخذيه» حال على كل حال من واو تنفقون أي والحال أنكم لا تأخذونه في معاملاتكم في وقت من الأوقات أو بوجه من الوجوه «إلا أن تغمضوا فيه» أي إلا وقت إغماضكم فيه أو إلا بإغماضكم فيه وهو عبارة عن المسامحة بطريق الكتابة أو الاستعارة يقال أغمض بصره إذا غضه وقرئ على البناء للمفعول على معنى إلا أن تحملوا على الإغماض وتدخلوا فيه أو توجدوا مغمضين وقرئ تغمضوا وتغمضوا بضم الميم وكسرها وقيل تم الكلام عند قوله تعالى ولا تيمموا الخبيث ثم استؤنف فقيل على طريقة التوبيخ والتقريع منه تنفقون والحال أنكم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم فيه ومآله الاستفهام الإنكاري فكأنه قيل أمنه تنفقون الخ «واعلموا أن الله غني» عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لمنفعتكم وفي الأمر بأن يعلموا ذلك مع ظهور علمهم به توبيخ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذان بأن ذلك من آثار الجهل بشأنه تعالى فإن إعطاء مثله إنما يكون عادة عند اعتقاد المعطى أن الآخذ محتاج إلى ما يعطيه بل مضطر إليه «حميد» مستحق للحمد على نعمة العظام وقيل حامد بقبول الجيد والإثابة عليه «الشيطان يعدكم الفقر» الوعد هو الإخبار بما سيكون من جهة المخبر مترتبا
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271