بعض يوم) قاله بناء على التقريب والتخمين أو استقصارا لمدة لبثه وأما ما يقال من أنه مات ضحي وبعث بعد المائة قبيل الغروب فقال قبل النظر إلى الشمس يوما فالتفت إليها فرأى منها بقية فقال أو بعض يوم على وجه الإضراب فبمعزل من التحقيق إذ لاوجه للجزم بتمام اليوم ولو بناء على حسبان الغروب لتحقق النقصان من أوله «قال» استئناف كما سلف «بل لبثت مائة عام» عطف على مقدر أي ما لبثت ذلك القدر بل هذا المقدار «فانظر» لتعاين أمرا آخر من دلائل قدرتنا «إلى طعامك وشرابك لم يتسنه» اى لم يتغير في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه إلى الفساد روى انه وجد تينه وعنبه كما جنى وعصيره كما عصر والجملة المنفية حال بغير واو كقوله تعالى لم يمسسهم سوء اما من الطعام والشراب وافراد الضمير لجريانهما مجرى الواحد كالغذاء واما من الأخير اكتفاء بدلالة حاله على حال الأول ويؤيده قراءة من قرأ وهذا شرابك لم يتسنه والهاء أصلية أو هاء سكت واشتقاقه من السنة لما ان لامها هاء أو واو وقيل أصله لم يتسنن من الحما المسنون فقلبت نونه حرف علة كما في تقضي البازي وقد جوز أن يكون معنى لم يتسنه لم يمر عليه السنون التي مرت لا حقيقة بل تشبيها أي هو على حاله كأنه لم يلبث مائة عام وقرئ لم يسنه بإدغام التاء في السين وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتفرقت وتقطعت أوصاله وتمزقت ليتبين لك ما ذكر من اللبث المديد وتطمئن به نفسك وقوله عز وجل «ولنجعلك آية للناس» عطف على مقدر متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق أي فعلنا ما فعلنا من إحيائك بعد ما ذكر لتعاين ما استبعدته من الإحياء بعد دهر طويل ولنجعلك آية للناس الموجودين في هذا القرن بأن يشاهدوك وأنت من أهل القرون الخالية ويأخذوا منك ما طوى عنهم منذ أحقاب من علم التوراة كما سيأتي أو متعلق بفعل مقدر بعده أي ولنجعلك آية لهم على الوجه المذكور فعلنا ما فعلنا فهو على التقديرين دليل على ما ذكر من اللبث المديد ولذلك فرق بينه وبين الأمر بالنظر إلى حماره وتكرير الأمر في قوله تعالى «وانظر إلى العظام» مع أن المراد عظام الحمار أيضا لما أن المأمور به أولا هو النظر إليها من حيث دلالتها على ما ذكر من اللبث المديد وثانيا هو النظر إليها من حيث تعتريها الحياة ومباديها أي وانظر إلى عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء في غيرك بعد ما شاهدت نفسه في نفسك «كيف ننشزها» بالزاي المعجمة أي نرفع بعضها إلى بعض ويردها إلى أما كنها من الجسد فتركبها تركيبا لائقا بها وقال الكسائي نليها ونعظمها ولعل من فسره بنحييها أراد بالإحياء هذا المعنى وكذا من قرأ ننشرها بالراء من أنشر الله تعالى الموتى أي أحياها لا معناه الحقيقي لقوله تعالى «ثم نكسوها لحما» أي نسترها به كما يستر الجسد باللباس وأما من قرأ ننشرها بفتح النون وضم الشين فلعله أراد به ضد الطي كما قال الفراء فالمعنى كيف نبسطها والجملة إما حال من العظام أي وانظر إليها مركبة مكسوة لحما أو بدل اشتمال أي وانظر إلى العظام كيفية إنشازها وبسط اللحم عليها ولعل عدم التعرض لكيفية نفخ الروح لما أنها مما لا تقتضى الحكمة بيانه روى أنه نودي أيتها العظام البالية إن الله يأمرك يأمرك أن تجتمعي فاجتمع كل جزء من أجزائها التي ذهب بها الطير والسباع وطارت بها الرياح من كل سهل وجبل فانظم بعضها إلى بعض والتصق كل عضو بما يليق به الضلع بالضلع والذراع بمحلها والرأس بموضعها ثم الأعصاب والعروق ثم انبسط عليه اللحم
(٢٥٤)