هو القائم بذاته المقيم لغيره «لا تأخذه سنة ولا نوم» السنة ما يتقدم النوم من الفتور قال عدي بن الرقاع العاملي * وسنان أقصده النعاس فرنقت * في عينه سنة وليس بنائم * والنوم حالة تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقف المشاعر الظاهرة عن الاحساس رأسا والمراد بيان انتفاء اعتراء شيء منهما له سبحانه لعدم كونهما من شأنه تعالى لا لأنهما قاصران بالنسبة إلى القوة الإلهية فإنه بمعزل من مقام التنزيه فلا سبيل إلى حمل النظم الكريم على طريقة المبالغة والترقي بناء على أن القادر على دفع السنة قد لا يقدر على دفع النوم القوي كما في قولك فلان يقظ لا تغلبه سنة ولا نوم وانما تأخير النوم للمحافظة على ترتيب الوجود الخارجي وتوسيط كلمة لا للتنصيص على شمول النفي لكل منهما كما في قوله عز وجل ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة الآية واما التعبير عن عدم الاعتراء والعروض بعدم الأخذ فلمراعاة الواقع إذ عروض السنة والنوم لمعروضهما انما يكون بطريق الاخذ والاستيلاء وقيل هو من باب التكميل والجملة تأكيد لما قبلها من كونه تعالى حيا قيوما فإن من يعتر به أحدهما يكون موقوف الحياة قاصرا في الحفظ والتدبير وقيل استئناف مؤكد لما سبق وقيل حال مؤكدة من الضمير المستكن في القيوم «له ما في السماوات وما في الأرض» تقرير لقيوميته تعالى واحتجاج به على تفرده في الألوهية والمراد بما فيهما ما هو أعم من أجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما المتمكنة فيهما من العقلاء وغيرهم «من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه» بيان لكبرياء شأنه وأنه لا يدانيه أحد ليقدر على تغيير ما يريده شفاعة وضراعة فضلا عن أن يدافعه عنادا أو مناصبة «يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم» أي ما قبلهم وما بعدهم أو بالعكس لأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو بالعكس أوما يحسونه وما يعقلونه أو ما يدركونه ومالا يدركونه والضمير لما في السماوات والأرض بتغليب ما فيهما من العقلاء على غيرهم أو لما دل عليه من ذا الذي من الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام «ولا يحيطون بشيء من علمه» أي من معلوماته «إلا بما شاء» ان يعلموه وعطفه على ما قبله لما أنهما جميعا دليل على تفرده تعالى بالعلم الذاتي التام الدال على وحدانيته «وسع كرسيه السماوات والأرض» الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد وكأنه منسوب إلى الكرس الذي هو الملبد وليس ثمة كرسي ولا قاعد وانما هو تمثيل لعظمة شأنه عز وجل وسعة سلطانه وإحاطة علمه بالأشياء قاطبة على طريقة قوله عز قائلا وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه وقيل كرسيه مجاز عن علمه أخذا من كرسي العالم وقيل عن ملكه أخذا من كرسي الملك فإن الكرسي كلما كان أعظم تكون عظمة القاعد أكثر وأوفر فعبر عن شمول علمه أو عن بسطة ملكه وسلطانه بسعة كرسيه واحاطته بالأقطار العلوية والسفلية وقيل هو جسم بين يدي العرش محيط بالسموات السبع لقوله صلى الله عليه وسلم ما السماوات السبع والأرضون السبع مع الكرسي الا كحلقة في فلان وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ولعله الفلك الثامن وعن الحسن البصري أنه العرش «ولا يؤوده» أي لا يثقله ولا يشق عليه «حفظهما» أي حفظ السماوات والأرض وانما لم يتعرض لذكر ما فيهما لما أن حفظتهما مستتبع لحفظه «وهو العلي» المتعالى بذاته عن الأشياء والأنداد «العظيم»
(٢٤٨)