«من أهل الكتاب ولا المشركين» للتبيين كما في قوله عز وعلا «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين» ولا مزيدة لما ستعرفه «أن ينزل عليكم» في حيز النصب على أنه مفعول يود وبناء الفعل للمفعول للثقة بتعين الفاعل والتصريح الآتي في قوله تعالى «من خير» هو القائم مقام فاعلة ومن مزيدة للاستغراق والنفي وإن لم يباشره ظاهرا لكنه منسحب عليه معنى والخير الوحي وحمله على ما يعمه وغيره من العلم والنصرة كما قيل يأباه وصفة فيما سيأتي بالاختصاص وتقديم الظرف عليه مع أن حقه التأخير عنه لإظهار كمال العناية به لأنه المدار لعدم ودهم ومن في قوله تعالى «من ربكم» ابتدائية والتعرض لعنوان الربوبية للإشعار بعليته لتنزيل الخير والإضافة إلى ضمير المخاطبين لتشريفهم وليست كراهتهم لتنزيله على المخاطبين من حيث تعبدهم بما قبله وتعرضهم بذلك لسعادة الدارين كيف لا وهم من تلك الحيثية من جملة من نزل عليهم الخير بل من حيث وقوع ذلك التنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم وصيغة الجمع للإيذان بان مدار كراهتهم ليس معنى خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم بل وصف مشترك بين الكل وهو الخلو عن الدراسة عند اليهود وعن الرياسة عند المشركين والمعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحى إليهم ويكرهون فيحسدونكم أن ينزل عليكم شئ من الوحي أما اليهود فبناء على أنهم أهل الكتاب وأبناء الأنبياء الناشئون في مهابط الوحي وأنتم أميون وأما المشركون فإدلالا بما كان لهم من الجاه والمال زعما منهم أن رياسة الرسالة كسائر الرياسات الدنيوية منوطة بالأسباب الظاهرة ولذلك قالوا «لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم» ولما كانت اليهود بهذا الداء أشهر لا سيما في أثناء ذكر ابتلائهم به لم يلزم من نفي ودادتهم لما ذكر نفى ودادة المشركين له فزيدت كلمة لا لتأكيد النفي «والله يختص برحمته» جملة ابتدائية سيقت لتقرير ما سبق من تنزيل الخير والتنبيه على حكمته وإرغام الكارهين له والمراد برحمته الوحي كما في قوله سبحانه «أهم يقسمون رحمة ربك» عبر عنه باعتبار نزوله على المؤمنين بالخير وباعتبار إضافته إليه تعالى بالرحمة قال علي رضي الله عنه بنبوته خص بها محمدا صلى الله عليه وسلم فالفعل متعد وصيغته الافتعال للإنباء عن الاصطفاء وإيثاره على التنزيل المناسب للسياق الموافق لقوله تعالى «أن ينزل الله من فضله على من يشاء» لزيادة تشريفه صلى الله عليه وسلم وإقناطهم مما علقوا به أطماعهم الفارغة والباء داخلة على المقصود أي يؤتى رحمته «من يشاء» من عباده ويجعلها مقصورة عليه لاستحقاقه الذاتي الفائض عليه بحسب إرادته عز وعلا تفضلا لا تتعداه إلى غيره وقيل الفعل لازم ومن فاعله والضمير العائد إلى من محذوف على التقديرين وقوله تعالى «والله ذو الفضل العظيم» تذييل لما سبق مقرر لمضمونه وفيه إيذان بأن إيتاء النبوة من فضله العظيم كقوله تعالى «إن فضله كان عليك كبيرا» وإن حرمان من حرم ذلك ليس لضيق ساحة فضله بل لمشيئته الجارية على سنن الحكمة البالغة وتصدير الجملتين بالاسم الجليل للإيذان بفخامة مضمونيهما وكون كل منهما مستقلة بشأنها فإن الإضمار في الثانية منبئ عن توقفها على الأولى «ما ننسخ من آية أو ننسها» كلام مستأنف مسوق لبيان سر النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي وإبطال مقالة الطاعنين فيه أثر تحقيق
(١٤٢)