للإيذان بأن بينهما كلاما لصاحبة متعلقا بالأول والثاني بالتبعية والاستتباع كما حرر في محله أي كذبهم في ذلك وبكتهم قائلا إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون وقد نفى عن إبراهيم عليه السلام كلا الأمرين حيث قال ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا واحتج عليه بقوله تعالى وما أنزلت التوراة والإنجيل الا من بعده وهؤلاء المعطوفون عليه عليه السلام اتباعه في الدين وفاقا فكيف تقولون ما تقولون سبحان الله عما تصفون «ومن أظلم» انكار لأن يكون أحد اظلم «ممن كتم شهادة» ثابتة «عنده» كائنة «من الله» وهي شهادته تعالى له عليه السلام بالحنيفية والبراءة من اليهودية والنصرانية حسبما تلى آنفا فعنده صفة لشهادة وكذا من الله جيء بهما لتعليل الانكار وتأكيده فإن ثبوت الشهادة عنده وكونها من جناب الله عز وجل من أقوى الدواعي إلى اقامتها وأشد الزواجر عن كتمانها وتقديم الأول مع أنه متأخر في الوجود لمراعاة طريقة الترقي من الأدنى إلى الأعلى والمعنى أنه لا أحد أظلم من أهل الكتاب حيث كتموا هذه الشهادة وأثبتوا نقيضها بما ذكر من الافتراء وتعليق الأظلمية بمطلق الكتمان للإيماء إلى أن مرتبة من يردها ويشهد بخلافها في الظلم خارجة عن دائرة البيان أولا أحد أظلم منا لو كتمناها فالمراد بكتمها عدم اقامتها في مقام المحاجة وفيه تعريض بغاية أظلمية أهل الكتاب على نحو ما أشير إليه وفي إطلاق الشهادة مع أن المراد بها ما ذكر من الشهادة المعنية تعريض بكتمانهم شهادة الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل «وما الله بغافل عما تعملون» من فنون السيئات فيدخل فيها كتمانهم لشهادته سبحانه وافتراؤهم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دخولا أوليا أي هو محيط بجميع ما تأتون وما تذرون فيعاقبكم بذلك أشد عقاب وقرئ عما يعملون على صيغة الغيبة فالضمير إما لمن كتم باعتبار المعنى وإما لأهل الكتاب وقوله تعالى ومن أظلم إلى آخر الآية مسوق من جهته تعالى لوصفهم بغاية الظلم وتهديدهم بالوعيد «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون» تكرير للمبالغة في الزجر عما هم عليه من الافتخار بالآباء والاتكال على أعمالهم وقيل الخطاب السابق لهم وهذا لنا تحذير عن الاقتداء بهم وقيل المراد بالأمة الأولى الأنبياء عليهم السلام وبالثانية أسلاف اليهود «سيقول السفهاء» أي الذين خفت أحلامهم واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن التدبر والنظر من قولهم ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج وقيل السفيه البهات الكذاب المتعمد خلاف ما يعلم وقيل الظلوم الجهول والمراد بالسفهاء هم اليهود على ما روى عن ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم قالوه إنكارا للنسخ وكراهة للتحويل حيث كانوا يأنسون بموافقته عليه الصلاة والسلام لهم في القبلة وقيل هم المنافقون وهو الأنسب بقوله عز وعلا ألا إنهم هم السفهاء وإنما قالوه لمجرد الاستهزاء والطعن لا لاعتقادهم حقية القبلة الأولى وبطلان الثانية إذ ليس
(١٧٠)