تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٧٠
للإيذان بأن بينهما كلاما لصاحبة متعلقا بالأول والثاني بالتبعية والاستتباع كما حرر في محله أي كذبهم في ذلك وبكتهم قائلا إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون وقد نفى عن إبراهيم عليه السلام كلا الأمرين حيث قال ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا واحتج عليه بقوله تعالى وما أنزلت التوراة والإنجيل الا من بعده وهؤلاء المعطوفون عليه عليه السلام اتباعه في الدين وفاقا فكيف تقولون ما تقولون سبحان الله عما تصفون «ومن أظلم» انكار لأن يكون أحد اظلم «ممن كتم شهادة» ثابتة «عنده» كائنة «من الله» وهي شهادته تعالى له عليه السلام بالحنيفية والبراءة من اليهودية والنصرانية حسبما تلى آنفا فعنده صفة لشهادة وكذا من الله جيء بهما لتعليل الانكار وتأكيده فإن ثبوت الشهادة عنده وكونها من جناب الله عز وجل من أقوى الدواعي إلى اقامتها وأشد الزواجر عن كتمانها وتقديم الأول مع أنه متأخر في الوجود لمراعاة طريقة الترقي من الأدنى إلى الأعلى والمعنى أنه لا أحد أظلم من أهل الكتاب حيث كتموا هذه الشهادة وأثبتوا نقيضها بما ذكر من الافتراء وتعليق الأظلمية بمطلق الكتمان للإيماء إلى أن مرتبة من يردها ويشهد بخلافها في الظلم خارجة عن دائرة البيان أولا أحد أظلم منا لو كتمناها فالمراد بكتمها عدم اقامتها في مقام المحاجة وفيه تعريض بغاية أظلمية أهل الكتاب على نحو ما أشير إليه وفي إطلاق الشهادة مع أن المراد بها ما ذكر من الشهادة المعنية تعريض بكتمانهم شهادة الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل «وما الله بغافل عما تعملون» من فنون السيئات فيدخل فيها كتمانهم لشهادته سبحانه وافتراؤهم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دخولا أوليا أي هو محيط بجميع ما تأتون وما تذرون فيعاقبكم بذلك أشد عقاب وقرئ عما يعملون على صيغة الغيبة فالضمير إما لمن كتم باعتبار المعنى وإما لأهل الكتاب وقوله تعالى ومن أظلم إلى آخر الآية مسوق من جهته تعالى لوصفهم بغاية الظلم وتهديدهم بالوعيد «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون» تكرير للمبالغة في الزجر عما هم عليه من الافتخار بالآباء والاتكال على أعمالهم وقيل الخطاب السابق لهم وهذا لنا تحذير عن الاقتداء بهم وقيل المراد بالأمة الأولى الأنبياء عليهم السلام وبالثانية أسلاف اليهود «سيقول السفهاء» أي الذين خفت أحلامهم واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن التدبر والنظر من قولهم ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج وقيل السفيه البهات الكذاب المتعمد خلاف ما يعلم وقيل الظلوم الجهول والمراد بالسفهاء هم اليهود على ما روى عن ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم قالوه إنكارا للنسخ وكراهة للتحويل حيث كانوا يأنسون بموافقته عليه الصلاة والسلام لهم في القبلة وقيل هم المنافقون وهو الأنسب بقوله عز وعلا ألا إنهم هم السفهاء وإنما قالوه لمجرد الاستهزاء والطعن لا لاعتقادهم حقية القبلة الأولى وبطلان الثانية إذ ليس
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271