تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٩٧
«وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» أي صلاة المسلمين وزكاتهم فإن غيرهما بمعزل من كونه صلاة وزكاة أمرهم الله تعالى بفروع السلام بعد الأمر بأصوله «واركعوا مع الراكعين» أي في جماعتهم فإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة لما فيها من تظاهر النفوس في المناجاة وعبر عن الصلاة بالركوع احترازا عن صلاة اليهود وقيل الركوع الخضوع والانقياد لما يلزمهم الشارع قال الضبط بن قريع السعدي * لا تحقرن الضعيف علك أن * تركع يوما والدهر قد رفعه * «أتأمرون الناس بالبر» تجريد للخطاب وتوجيه له إلى بعضهم بعد توجيه إلى الكل والهمزة فيها تقرير مع توبيخ وتعجيب والبر التوسع في الخير من البر الذي هو الفضاء الواسع يتناول جميع أصناف الخيرات ولذلك قيل البر ثلاثة بر في عبادة الله تعالى وبر في مراعاة الأقارب وبر في معاملة الأجانب «وتنسون أنفسكم» أي تتركونها من البر كالمنسيات عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في أحبار المدينة كانوا يأمرون سرا من نصحوه باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه طمعا في الهدايا والصلات التي كانت تصل إليهم من أتباعهم وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون وقال السدي إنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله تعالى وينهونهم عن معصيته وهم يتركون الطاعة ويقدمون على المعصية وقال ابن جريج كانوا يأمرون الناس بالصلاة والزكاة وهم يتركونهما ومدار الإنكار والتوبيخ هي الجملة المعطوفة دون ما عطفت هي عليه «وأنتم تتلون الكتاب» تبكيت لهم وتقريح كقوله تعالى «وأنتم تعلمون» أي والحال أنكم تتلون التوراة الناطقة بنعوته صلى الله عليه وسلم الآمرة بالإيمان به أو بالوعد بفعل الخير والوعيد على الفساد والعناد وترك البر ومخالفة القول العمل «أفلا تعقلون» أي أتتلونه فلا تعقلون ما فيه أو قبح ما تصنعون حتى ترتدعوا عنه فالإنكار متوجه إلى عدم العقل بعد تحقق ما يوجبه فالمبالغة من حيث الكيف أو ألا تتأملون فلا تعقلون فالإنكار متوجه إلى كلا الأمرين والمبالغة حينئذ من حيث الكم والعقل في الأصل المنع والإمساك ومنه العقال الذي يشد به وظيف البعير إلى ذراعه لحبسه عن الحراك سمى به النور الروحاني الذي به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية لأنه يحسبه عن تعاطى ما يقبح ويعقله على ما يحسن والآية كما ترى ناعية على كل من يعظ غيره ولا يتعظ بسوء صنيعه وعدم تأثره وإن فعله الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالي عن العقل والمراد بها كما أشير إليه حثه على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل لتقوم بالحق فتقيم غيرها لا منع الفاسق عن الوعظ يروى أنه كان عالم من العلماء مؤثر الكلام قوى التصرف في القلوب وكان كثيرا ما يموت من أهل مجلسه واحدا أو اثنان من شدة تأثير وعظه وكان في بلده عجوز لها ابن صالح رقيق القلب سريع الانفعال وكانت تحترز عليه وتمنعه من حضور مجلس الواعظ فحضره يوما على حين غفلة منها فوقع من أمر الله تعالى ما وقع ثم أن العجوز لقيت الواعظ يوما في الطريق فقالت * لتهدى الأنام
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271