تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٠٣
فقال اذهبا فتوخيا ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه «يسألونك عن الأهلة» سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم فقالا ما بال الهلال يبدو رقيقا كالخيط ثم يزيد حتى يستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ «قل هي مواقيت للناس والحج» كانوا قد سألوه عليه الصلاة والسلام عن الحكمة في اختلاف حال القمر وتبدل أمره فأمره الله العزيز الحكيم أن يجيبهم بأن الحكمة الظاهرة في ذلك أن تكون معالم للناس في عبادتهم لا سيما الحج فإن الوقت مراعى فيه أداء وقضاء وكذا في معاملاتهم على حسب ما يتفقون عليه والمواقيت جمع ميقات من الوقت والفرق بينه وبين المدة والزمان أن المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها والزمان مدة مقسومة إلى الماضي والحال والمستقبل والوقت الزمان المفروض لأمر «وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها» كانت الأنصار إذا أحرموا لم يدخلوا دارا ولا فسطاطا من بابه وإنما يدخلون ويخرجون من نقب أو فرجة وراءها ويعدون ذلك برا فبين لهم أنه ليس ببر فقيل «ولكن البر من اتقى» أي بر من اتقى المحارم والشهوات ووجه اتصاله بما قبله أنهم سألوا عن الأمرين أو أنه لما ذكر أنها مواقيت للحج ذكر عقيبة ما هو من أفعالهم في الحج استطرادا أو أنهم لما سألوا عما لا يعنيهم ولا يتعلق بعلم النبوة فإنه عليه الصلاة والسلام مبعوث لبيان الشرائع لا لبيان حقائق الأشياء وتركوا السؤال عما يعنيهم ويختص بعلم الرسالة عقب بذكره جواب ما سألوا عنه تنبيها على أن اللائق بهم ان يسألوا عن أمثال ذلك ويهتموا بالعلم بها أو أريد به التنبيه على تعكيسهم في السؤال وكونه من قبيل دخول البيت من ورائه والمعنى وليس البر بأن تعكسوا في مسائلكم ولكن البر من اتقى ذلك ولم يجترئ على مثله «وأتوا البيوت من أبوابها» إذ ليس في العدول بر أو باشروا الأمور من وجوهها «واتقوا الله» في تغيير أحكامه أو في جميع أموركم أمر بذلك صريحا بعد بيان أن البر بر من اتقى إظهارا لزيادة الاعتناء بشأن التقوى وتمهيدا لقوله تعالى «لعلكم تفلحون» أي لكي تظفروا بالبر والهدى «وقاتلوا في سبيل الله» أي جاهدوا لإعزاز دينه وإعلاء كلمته وتقديم الظرف على المفعول الصريح لإبراز كمال العناية بشأن المقدم «الذين يقاتلونكم» قيل كان ذلك قبل ما أمروا بقتال المشركين كافة المقاتلين منهم والمحاجزين وقيل معناه الذين يناصبونكم القتال ويتوقع منهم ذلك دون غيرهم من المشايخ والصبيان والرهابنة والنساء أو الكفرة جميعا فإن الكل بصدد قتال المسلمين ويؤيد الأول ما روى أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وصالحوه على أن يرجع من قابل فيخلوا له مكة شرفها الله تعالى ثلاثة أيام فرجع لعمرة القضاء فخاف المسلمون ان لا يفوا لهم ويقاتلوهم في الحرم والشهر الحرام وكرهوا ذلك فنزلت ويعضده إيراده في أثناء بيان أحكام الحج «ولا تعتدوا» بابتداء
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271