الذي يستحقر بالنسبة اليه كل ما سواه ولما ترى من انطواء هذه الآية الكريمة على أمهات المسائل الإلهية المتعلقة بالذات العلية والصفات الجلية فإنها ناطقة بأنه تعالى موجود متفرد بالإلهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته موجد لغيره لما أن القيوم هو القائم بذاته المقيم لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ عن التغير والفتور لا مناسبة بينه وبين الأشباح ولا يعتريه ما يعتري النفوس والأرواح مالك الملك والملكوت ومبدع الأصول والفروع ذو البطش الشديد لا يشفع عنده الا من أذن له فيه العالم وحده بجميع الأشياء جليها وخفيها كليها وجزئيها واسع الملك والقدرة لكل ما من شأنه أن يملك ويقدر عليه لا يشق عليه شاق ولا يشغله شأن عن شأن متعال عما تناله الأوهام عظيم لا تحدق به الافهام تفردت بفضائل رائقة وخواص فائقة خلت عنها أخواتها قال صلى الله عليه وسلم ان أعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها بعث الله تعالى ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة وقال عليه الصلاة والسلام ما قرئت هذه الآية في دار الا هجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة يا علي علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها وقال صلى الله عليه وسلم من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة الا الموت ولا يواظب عليها الا صديق أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنة الله تعالى على نفسه وجاره وجار جاره والابيات حوله وقال عليه الصلاة والسلام سيد البشر آدم وسيد العرب محمد ولا فخر وسيد الفرس سلمان وسيد الروم صهيب وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال الطور وسيد الأيام يوم الجمعة وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن سورة البقرة وسيد البقرة آية الكرسي وتخصيص سيادته صلى الله عليه وسلم للعرب بالذكر في أثناء تعداد السيادات الخاصة لا يدل على نفي ما دلت عليه الاخبار المستفيضة وانعقد عليه الاجماع من سيادته صلى الله عليه وسلم لجميع افراد البشر «لا إكراه في الدين» جملة مستأنفة جاء بها اثر بيان تفرده سبحانه وتعالى بالشؤون الجليلة الموجبة للإيمان به وحده ايذانا بأن من حق العاقل أن لا يحتاج إلى التكليف والالزام بل يختار الدين الحق من غير تردد وتلعثم وقيل هو خبر في معنى النهي أي لا تكرهوا في الدين فقيل منسوخ بقوله تعالى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وقيل خاص بأهل الكتاب حيث حصنوا أنفسهم بأداء الجزية وروى انه كان لأنصاري من بني سالم بن عوف ابنان قد تنصرا قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فخلاهما «قد تبين الرشد من الغي» استئناف تعليلي صدر بكلمة التحقيق لزيادة تقرير مضمونه كما في قوله عز وجل قد بلغت من لدني عذرا أي إذ قد تبين بما ذكر من نعوته تعالى التي يمتنع توهم اشتراك غيره في شيء منهما الايمان الذي هو الرشد الموصل إلى السعادة الأبدية من الكفر الذي هو الغي المؤدي إلى الشقاوة السرمدية «فمن يكفر بالطاغوت»
(٢٤٩)