تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٥٨
لا يتبعون ما أنفقوا) أي ما أنفقوه أو إنفاقهم «منا ولا أذى» المن أن يعتد على من أحسن ألية بإحسانه ويريه أنه أوجب بذلك عليه حقا والأذى أن يتطاول عليه بسبب إنعامه عليه وإنما قدم المن لكثرة وقوعه وتوسيط كلمة لا للدلالة على شمول النفي لاتباع كل واحد منهما وثم لإظهار علو رتبة المعطوف قيل نزلت في عثمان رضي الله عنه حين جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها وعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه حين اتى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة ولم يكد يخطر ببالهما شئ من المن والأذى «لهم أجرهم» اى حسبما وعد لهم في ضمن التمثيل وهو جملة مبتدأ وخبر وقعت خبرا عن الموصول وفي تكرير الاسناد وتقييد الأجر بقوله عند ربهم من التأكيد والتشريف ما لا يخفى وتخلية الخبر عن الفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها للإيذان بأن ترتب الأجر على ما ذكر من الإنفاق وترك اتباع المن والأذى أمر بين لا يحتاج إلى التصريح بالسببية وأما إبهام أنهم أهل لذلك وإن لم يفعلوا فكيف بهم إذا فعلوا فيأباه مقام الترغيب في الفعل والحث عليه «ولا خوف عليهم» في الدارين من لحوق مكروه من المكاره «ولا هم يحزنون» لفوات مطلوب من المطالب قل أو جل أي لا يعتريهم ما يوجبه لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا أنه لا يعتريهم خوف وحزن أصلا بل يستمرون على النشاط والسرور كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله وهيبته واستقصارا للجد والسعي في إقامة حقوق العبودية من خواص الخواص والمقربين والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا لما ان النفي وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام «قول معروف» أي كلام جميل تقبله القلوب ولا تنكره يرد به السائل من غير إعطاء شئ «ومغفرة» أي ستر لما وقع من السائل من الإلحاف في المسألة وغيره مما يثقل على المسؤول وصفح عنه وإنما صح الابتداء بالنكرة في الأول لاختصاصها بالوصف وفي الثاني بالعطف أو بالصفة المقدرة أي ومغفرة كائنة من المسؤول «خير» أي للسائل «من صدقة يتبعها أذى» لكونها مشوبة بضرر ما يتبعها وخلوص الأولين من الضرر والجملة مستأنفة مقررة لاعتبار ترك اتباع المن والأذي وتفسير المغفرة بنيل مغفرة من الله تعالى بسبب الرد الجميل أو بعفو السائل بناء على اعتبار الخيرية بالنسبة إلى المسؤول يؤدى إلى أن يكون في الصدقة الموصوفة بالنسبة إليه خير في الجملة مع بطلانها بالمرة «والله غني» لا يحوج الفقراء إلى تحمل مؤنة المن والأذى ويرزقهم من جهة أخرى «حليم» لا يعاجل أصحاب المن والأذى بالعقوبة لا أنهم لا يستحقونها بسببهما والجملة تذييل لما قبلها مشتمل على الوعد والوعيد مقرر لاعتبار الخيرية بالنسبة إلى السائل قطعا «يا أيها الذين آمنوا»
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271