تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٧١
الألم بشر المؤمنين بها وبدوامها تكميلا للبهجة والسرور اللهم وفقنا لمراضيك وثبتنا على ما يؤدى إليها من العقد والعمل «إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة» شروع في تنزيه ساحة التنزيل عن تعلق ريب خاص اعتراهم من جهة ما وقع فيه من ضرب الأمثال وبيان لحكمته وتحقيق للحق اثر تنزيهها عما اعتراهم من مطلق الريب بالتحدي وإلقام الحجر وإفحام كافة البلغاء من أهل المدر والوبر روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ان المنافقون طعنوا في ضرب الأمثال بالنار والظلمات والرعد والبرق وقالوا الله أجل وأعلى من ضرب الأمثال وروى عطاء رضي الله عنه ان هذا الطعن كان من المشركين وروى عنه أيضا انه لما نزل قوله تعالى يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له الآية وقوله تعالى مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء الآية قالت اليهود اى قدر للذباب والعنكبوت حتى يضرب الله تعالى بهما الأمثال وجعلوا ذلك ذريعة إلى انكار كونه من عند الله تعالى مع انه لا يخفى على أحد ممن له تمييز انه ليس مما يتصور فيه التردد فضلا عن النكير بل هو أوضح أدله كونه خارجا عن طوق البشر نازلا من عند خلاق القوى والقدر كيف لا وان التمثيل كما مر ليس إلا ابراز المعنى المقصود في معرض الأمر المشهود وتحلية المعقول بحلية المحسوس وتصوير أوابد المعاني بهيئة المأنوس لاستمالة الوهم واستنزاله عن معارضته للعقل واستعصائه عليه في ادراك الحقائق الخفية وفهم الدقائق الأبية كي يتابعه فيما يقتضيه ويشايعه إلى ما يرتضيه ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية والكلمات النبوية وذاعت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء ومن قضية وجوب التماثل بين الممثل والممثل به في مناط التمثيل تمثيل العظيم بالعظيم والحقير بالحقير وقد مثل في الإنجيل غل الصدر بالنخالة ومعارضة السفهاء بإثارة الزنابير وجاء في عبارات البلغاء اجمع من ذره وأجرأ من الذباب واسمع من قراد واضعف من بعوضه إلى غير ذلك ما لا يكاد يحصر والحياء تغير النفس وانقباضها عما يعاب به أو يذم عليه يقال حي الرجل وهو حي واشتقاقه من الحياة اشتقاق شظى وحشى ونسي من الشظى والنسى والحشى يقال شظى الفرس ونسي وحشى إذا اعتلت منه تلك الأعضاء كأن من يعتريه الحيا تعتل قوته الحيوانية وتنتقص واستحيا بمعناه خلا انه يتعدى بنفسه وبحرف الجر يقال استحييته واستحييت منه والأول لا يتعدى إلا بحرف الجر وقد يحذف منه احدى اليائين ومنه قوله * ألا يستحي منا الملوك ويتقي * محارمنا لا يبوء الدم بالدم * وقوله * إذا ما استحين الماء يعرض نفسه * كرعن بسبت في اناء من الورد * فكما انه إذا اسند اليه سبحانه بطريق الإيجاب في مثل قوله صلى الله عليه وسلم ان الله يستحي من ذي الشيبة المسلم ان يعذبه وقوله عليه السلام ان الله حي كريم يستحي إذا رفع اليه العبد يده ان يردهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا يراد به الترك الخاص على طريقة التمثيل حيث مثل فيه
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271