تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٥٣
غلام يافع وغير يافع فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل ملك منهم أربعة غلمة وكان عزير من جملتهم فلما نجاه الله تعالى منهم بعد حين مر بحماره على بيت المقدس فرآه على أفظع مرأى وأوحش منظر وذلك قوله عز وجل «وهي خاوية على عروشها» أي ساقطة على سقوفها بأن سقطت العروش ثم الحيطان من خوى البيت إذا سقط أو من خوت الأرض اى تهدمت والجملة حال من ضمير مر أومن قرية عند من يجوز الحال من النكرة مطلقا «قال» اى تلهفا عليها وتشوقا إلى عمارتها مع استشعار اليأس عنها «أنى يحيي هذه الله» وهي على ما يرى من الحالة العجيبة المباينة للحياة وتقديمها على الفاعل للاعتناء بها من حيث أن الاستعباد ناشىء من جهتها لامن جهة الفاعل وأني نصب على الظرفية إن كانت بمعنى متى وعلى الحالية من هذه إن كانت بمعنى كيف والعامل يحيي وأيا ما كان فالمراد استبعاد عمارتها بالبناء والسكان من بقايا أهلها الذين تفرقوا أيدي سبأ ومن غيرهم وانما عبر عنها بالإحياء الذي هو علم في البعد عن الوقوع عادة تهويلا للخطاب وتأكيدا للاستبعاد كما انه لأجله عبر عن خرابها بالموت حيث قيل «بعد موتها» وحيث كان هذا التعبير معربا عن استبعاد الإحياء بعد الموت على أبلغ وجه وآكده أراه الله عز وجل آثر ذي أثير أبعد الأمرين في نفسه ثم في غيره ثم أراه ما استبعده صريحا مبالغة في إزاحة ما عسى يختلج في خلده وأما حمل إحيائها على إحياء أهلها فيأباه التعرض لحال القرية دون حالهم والاقتصار على ذكر موتهم دون كونهم ترابا وعظاما مع كونه أدخل في الاستبعاد لشدة مباينته للحياة وغاية بعده عن قبولها على أنه لم تتعلق إرادته تعالى بإحيائهم كما تعلقت بعمارتها ومعاينة المار لها كما ستحيط به خبرا «فأماته الله» وألبثه على الموت «مائة عام» روى أنه لما دخل القرية ربط حماره فطاف بها ولم ير بها أحدا فقال ما قال وكانت أشجارها قد أثمرت فتناول من التين والعنب وشرب من عصيره ونام فأماته الله تعالى في منامه وهو شاب وأمات حماره وبقية تينه وعنبه وعصيره عنده ثم أعمى الله تعالى عنه عيون المخلوقات فلم يره أحد فلما مضى من موته سبعون سنه وجه الله عز وعلا ملكا عظيما من ملوك فارس يقال له يوشك إلى بيت المقدس ليعمره ومعه ألف قهرمان ثلاثمائة ألف عامل فجعلوا يعمرونه وأهلك الله تعالى بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ونجى الله تعالى من بقي من بني إسرائيل وردهم إلى بيت المقدس وتراجع إليه من تفرق منهم في الأكناف فعمروه ثلاثين سنة وكثروا وكانوا كأحسن ما كانوا عليه فلما تمت المائة من موت عزير أحياه الله تعالى وذلك قوله تعالى «ثم بعثه» وإيثاره على أحياه للدلالة على سرعته وسهولة تأتيه على البارئ تعالى كأنه بعثه من النوم للإيذان بأنه اعاده كهيئته يوم موته عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال «قال» استئناف مبني على السؤال كأنه قيل فماذا قال له بعد بعثه فقيل قال «كم لبثت» ليظهر له عجزة عن الإحاطة بشؤنه تعالى وأن إحيائه ليس بعد مدة يسيرة ربما يتوهم أنه هين في الجملة بل بعد مدة طويلة وينحسم به مادة استبعاده بالمرة ويطلع في تضاعيفه على امر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى وهو إبقاء الغذاء المتسارع إلى الفساد بالطبع على ما كان عليه دهرا طويلا من غير تغير ما وكم نصب على الظرفية مميزها محذوف أي كم وقتا لبثت والقائل هو الله تعالى أو ملك مأمور بذلك من قبله تعالى قيل نودي من السماء يا عزير كم لبثت بعد الموت «قال لبثت يوما أو بعض يوم»
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271