عليه؟ هذا قلة فهم وفقه. ثم أينكر أبو ذر على عبد الرحمن، وعبد الرحمن خير من أبي ذر بما لا يتقارب؟ ثم تعلقه بعبد الرحمن وحده دليل على أنه لم [يسبر (1)] سير الصحابة، فإنه قد خلف طلحة ثلاثمائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير. والبهار الحمل. وكان مال الزبير خمسين ألفا ومائتي ألف. وخلف ابن مسعود تسعين ألفا. وأكثر الصحابة كسبوا الأموال وخلفوها ولم ينكر أحد منهم على أحد. وأما قوله: " إن عبد الرحمن يحبو حبوا يوم القيامة " فهذا دليل على أنه ما عرف الحديث، وأعوذ بالله أن يحبو عبد الرحمن في القيامة، أفترى من سبق وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ومن أهل بدر والشورى يحبو؟ ثم الحديث يرويه عمارة ابن زاذان، وقال البخاري: ربما اضطرب حديثه. وقال أحمد: يروى عن أنس أحاديث مناكير، وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به. وقال الدارقطني: ضعيف. وقوله: " ترك المال الحلال أفضل من جمعه " ليس كذلك، ومتى صح القصد فجمعه أفضل بلا خلاف عند العلماء. وكان سعيد بن المسيب يقول: لا خير فيمن لا يطلب المال، يقضى به دينه ويصون به عرضه، فإن مات تركه ميراثا لمن بعده. وخلف ابن المسيب أربعمائة دينار، وخلف سفيان الثوري مائتين، وكان يقول: المال في هذا الزمان سلاح. وما زال السلف يمدحون المال ويجمعونه للنوائب وإعانة الفقراء، وإنما تحاماه قوم منهم إيثارا للتشاغل بالعبادات، وجمع الهم فقنعوا باليسير. فلو قال هذا القائل: إن التقليل منه أولى قرب الامر ولكنه زاحم به مرتبة الاثم.
قلت: ومما يدل على حفظ الأموال ومراعاتها إباحة القتال دونها وعليها، قال صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون ماله فهو شهيد ". وسيأتي بيانه في " المائدة (2) " إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير (284)