دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر. فأقبل أبو ذر يقص الأثر في طلب كعب حتى انتهي إلى دار عثمان، فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر، فقال له أبو ذر:
يا بن اليهودية، تزعم ألا بأس بما تركه عبد الرحمن! لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: " الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال (1) هكذا وهكذا ". قال المحاسبي: فهذا عبد الرحمن مع فضله يوقف في عرصة [يوم (2)] القيامة بسبب ما كسبه من حلال، للتعفف وصنائع المعروف فيمنع السعي إلى الجنة مع الفقراء وصار يحبو في آثارهم حبوا، إلى غير ذلك من كلامه (3). ذكره أبو حامد وشيده وقواه بحديث ثعلبة، وأنه أعطى المال فمنع الزكاة. قال أبو حامد: فمن راقب أحوال الأنبياء والأولياء وأقوالهم لم يشك في أن فقد المال أفضل من وجوده، وإن صرف إلى الخيرات، إذ أقل ما فيه اشتغال الهمة بإصلاحه عن ذكر الله.
فينبغي للمريد أن يخرج عن ماله حتى لا يبقى له إلا قدر ضرورته، فما بقى له درهم يلتفت إليه قلبه فهو محجوب عن الله تعالى. قال الجوزي: وهذا كله خلاف الشرع والعقل، وسوء فهم المراد بالمال، وقد شرفه الله وعظم قدره وأمر بحفظه، إذ جعله قواما للآدمي وما جعل قواما للآدمي الشريف فهو شريف، فقال تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما (4) ". ونهي عز وجل أن يسلم المال إلى غير رشيد فقال: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ". ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، قال لسعد: " إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. وقال: " ما نفعني مال كمال أبى بكر ".
وقال لعمرو بن العاص: " نعم المال الصالح للرجل الصالح ". ودعا لانس، وكان في آخر دعائه: " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه ". وقال كعب (5): يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال: " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ". قال الجوزي: هذه الأحاديث مخرجة في الصحاح، وهي على خلاف