قوله تعالى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديرهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون (243) فيه ست مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (ألم تر) هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم. والمعنى عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين. ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " ألم تر " بجزم الراء، وحذفت الهمزة حذفا من غير إلقاء حركة لان الأصل ألم ترء. وقصة هؤلاء أنهم قوم من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء، وكانوا بقرية يقال لها " داور دان (1) " فخرجوا منها هاربين فنزلوا واديا فأماتهم الله تعالى. قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتى أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله تعالى، فمر بهم نبي فدعا الله تعالى فأحياهم. وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام. وقيل: سبعة، والله أعلم. قال الحسن:
أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم. وقيل: إنما فعل ذلك بهم معجزة لنبي من أنبيائهم، قيل: كان اسمه شمعون. وحكى النقاش أنهم فروا من الحمى. وقيل:
إنهم فروا من الجهاد ولما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي عليه السلام، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك، فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شئ، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله تعالى: " وقاتلوا في سبيل الله "، قال الضحاك.
قال ابن عطية: وهذا القصص كله لين الأسانيد، وإنما اللازم من الآية أن الله تعالى أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم، ليروا هم وكل من خلف من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر. وجعل