بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: لم تنسخ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول: " إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم " فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب، فذلك قوله: " يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب (1) من يشاء " وهو قوله عز وجل: " ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم (2) " من الشك والنفاق. وقال الضحاك: يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه. وفى الخبر: " إن الله تعالى يقول يوم القيامة هذا يوم تبلى فيه السرائر وتخرج الضمائر وأن كتابي لم يكتبوا إلا ما ظهر من أعمالكم وأنا المطلع على ما لم يطلعوا عليه ولم يخبروه ولا كتبوه فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه فأغفر لمن أشاء وأعذب من أشاء " فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين، وهذا أصح ما في الباب، يدل عليه حديث النجوى على ما يأتي بيانه، [لا يقال (3)]: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به ". فإنا نقول: ذلك محمول على أحكام الدنيا، مثل الطلاق والعتاق والبيع التي لا يلزمه حكمها ما لم يتكلم به، والذي ذكر في الآية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين الله تعالى في الآخرة. وقال الحسن: الآية محكمة ليست بمنسوخة. قال الطبري:
وقال آخرون نحو هذا المعنى الذي ذكر عن ابن عباس، إلا أنهم قالوا: إن العذاب الذي يكون جزاء لما خطر في النفوس وصحبه الفكر إنما هو بمصائب الدنيا وآلامها وسائر مكارهها.
ثم أسند عن عائشة نحو هذا المعنى، وهو (القول الخامس): ورجح الطبري أن الآية محكمة غير منسوخة: قال ابن عطية: وهذا هو الصواب، وذلك أن قوله تعالى: " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " معناه مما هو في وسعكم وتحت كسبكم، وذلك استصحاب المعتقد والفكر، فلما كان اللفظ مما يمكن أن تدخل فيه الخواطر أشفق الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم، فبين الله لهم ما أراد بالآية الأخرى، وخصصها ونص على حكمه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، والخواطر ليست هي ولا دفعها في الوسع، بل هي أمر غالب وليست مما يكتسب، فكان في هذا البيان فرجهم وكشف كربهم، وباقي (4) الآية محكمة لا نسخ فيها: ومما يدفع أمر النسخ أن الآية خبر والاخبار لا يدخلها النسخ، فإن ذهب ذاهب إلى تقدير النسخ فإنما يترتب له في الحكم الذي لحق الصحابة حين فزعوا من الآية، وذلك أن قول النبي صلى الله