يفرح المرء بكسبه ويسر بها، فتضاف إلى ملكه. وجاءت في السيئات ب " عليها " من حيث هي أثقال وأوزار ومتحملات صعبة، وهذا كما تقول: لي مال وعلى دين. وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريف حسنا لنمط الكلام، كما قال: " فمهل الكافرين أمهلهم رويدا (1) ". قال ابن عطية: ويظهر لي في هذا أن الحسنات هي مما تكتسب دون تكلف، إذ كاسبها على جادة أمر الله تعالى ورسم شرعه، والسيئات تكتسب ببناء المبالغة، إذا كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهي الله تعالى ويتخطاه إليها، فيحسن في الآية مجئ التصريفين إحرازا، لهذا المعنى.
السابعة - في هذه الآية دليل على صحة إطلاق أئمتنا على أفعال العباد كسبا واكتسابا، ولذلك لم يطلقوا على ذلك لا خلق ولا خالق، خلافا لمن أطلق ذلك من مجترئة المبتدعة.
ومن أطلق من أئمتنا ذلك على العبد، وأنه فاعل فبالمجاز المحض. وقال المهدوي وغيره:
وقيل معنى الآية لا يؤاخذ أحد بذنب أحد. قال ابن عطية: وهذا صحيح في نفسه ولكن من غير هذه الآية.
الثامنة - قال الكيا الطبري: قوله تعالى: " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " يستدل به على أن من قتل غيره بمثقل أو بخنق أو تغريق فعليه ضمانه قصاصا أو دية، خلافا لمن جعل ديته على العاقلة (2)، وذلك يخالف الظاهر، ويدل على أن سقوط القصاص عن الأب لا يقتضى سقوطه عن شريكه. ويدل على وجوب الحد على العاقلة (2) إذا مكنت مجنونا من نفسها. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: " ذكر علماؤنا هذه الآية في أن القود واجب على شريك الأب خلافا لأبي حنيفة، وعلى شريك الخاطئ خلافا للشافعي وأبي حنيفة، لان كل واحد منهما قد اكتسب القتل. وقالوا: إن اشتراك من لا يجب عليه القصاص مع من يجب عليه القصاص لا يكون شبهة في درء ما يدرأ بالشبهة ".
التاسعة - قوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) المعنى: أعف عن إثم ما يقع منا على هذين الوجهين أو أحدهما، كقوله عليه السلام: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان