عليه وسلم لهم: " قولوا سمعنا وأطعنا " يجئ منه الامر بأن يثبتوا (1) على هذا ويلتزموه وينتظروا لطف الله في الغفران. فإذا قرر هذا الحكم فصحيح وقوع النسخ فيه، وتشبه الآية حينئذ قوله تعالى: " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين (2) " فهذا لفظه الخبر ولكن معناه التزموا هذا وأثبتوا (3) عليه واصبروا بحسبه، ثم نسخ بعد ذلك. وأجمع الناس فيما علمت على أن هذه الآية في الجهاد منسوخة بصبر المائة للمائتين. قال ابن عطية: وهذه الآية في " البقرة " أشبه شئ بها. وقيل: في الكلام إضمار وتقييد، تقديره يحاسبكم به الله إن شاء، وعلى هذا فلا نسخ. وقال النحاس: ومن أحسن ما قيل في الآية وأشبه بالظاهر قول ابن عباس: إنها عامة، ثم أدخل حديث ابن عمر في النجوى، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، واللفظ لمسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يدنى المؤمن [يوم القيامة (4)] من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول [أي (4)] رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله ". وقد قيل: إنها نزلت في الذين يتولون الكافرين من المؤمنين، أي وإن تعلنوا ما في أنفسكم أيها المؤمنون من ولاية الكفار أو تسروها يحاسبكم به الله، قاله الواقدي ومقاتل. واستدلوا بقوله تعالى في (آل عمران) " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه - من ولاية الكفار - يعلمه الله " يدل عليه ما قبله من قوله: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين (5) ".
قلت: وهذا فيه بعد، لان سياق الآية لا يقتضيه، وإنما ذلك بين في " آل عمران " والله أعلم. وقد قال سفيان بن عيينة: بلغني أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يأتون قومهم بهذه الآية " لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ".
قوله تعالى: (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي " فيغفر - ويعذب " بالجزم عطف على الجواب. وقرأ ابن عامر وعاصم بالرفع